عند
التأمل في مدلول نظرية التطور، فالبيولوجي التطوري فرانسيسكو أيالا (Francisco
Ayala) قام
بالملاحظة التالية:
"التصميم
الوظيفي للكائنات الحية و خصائصها تبدو أنها تثبت فكرة وجود مصمم. و عبقرية داروين
الكبيرة كانت هي إظهار أن الظاهرة التي أدت إلى تنظيم الكائنات الحية الأولى يمكن
تفسيرها على أنها نتيجة لعملية طبيعية عن طريق الإنتخاب الطبيعي دون الحاجة إلى
اللجوء لأي خالق أو أي مؤثر خارجي"
و
بخصوص هذا أضاف أيالا قائلا:
"و
كنتيجة لذلك، فإن ميدان دراسة أصل الكائنات الحية و تكيفها و انتشارها تم إدخاله
إلى عالم العلوم." (1)
في
تعليقه الأخير أشار أيالا بشكل واضح على أنه قبل دارون لم تكن دراسة الأصول
البيولوجية تعتبر جزءا من العلم. و بما أن قبل دارون كانت هذه الدراسة مرتكزة بشكل
كلي في التصميم الذكي، فإن أيالا يستنتج على أن تفسير التعقيد و التنوع البيولوجي
عن طريق التصميم يمكن أن لا يعتبر كتفسير علمي. الفيلسوف في البيولوجيا دافيد هول
(David Hull) يتناول هذه النقط بشكل جلي:
"لقد
استبعد داروين التصميم الذكي ليس لأنه يعتبر تفسيرا علميا خاطئا، بل لأنه لم يكن
تفسيرا علميا يمكن اعتباره ملائما بشكل كلي."
(2)
لكن
هذا لا يمكن أن يكون صحيحا. فعدة فورع علمية تستعمل مصطلح التصميم، بل أكثر من ذلك
فالعديد من هذه العلوم لا يمكن تصورها من دونه. فعلم الآثار يؤكد أن إنسان العصور
الماضية ترك عدة دلائل على حياته و ثقافته و التي يمكن تمييزها عن المخلفات التي
تركتها القوى المادية العمياء. و الطب الشرعي يتولى الكشف عن الجرائم التي يرتكبها
البشر إلا أنهم عندما يحاولون إخفاء آثارها فهم عادة ما يرتكبون أخطاءا فتتم في
الأخير نسبتها لهم و لا ينسبونها إلى "أسباب طبيعية" كما يود ذلك
التطوريون. و من بين الفروع العلمية الأخرى التي لا تستغني عن التصميم نجد: الذكاء
الإصطناعي و علم التشفير و توليد الأعداد العشوائية.
التصميم
لا يقصد به دائما التصميم البشري. فبعض علماء النفس يدرسون سلوك و تعلم الحيوانات
التي تظهر نوعا من الذكاء و بإمكانها تصميم عدة أشياء، و مثالا على ذلك التصميم
الذي نجده في السدود التي يبنيها القندس. و لا حتى يجب حصر التصميم بكوكب الأرض
لأن البحث عن الذكاء في الفضاء المعروف اختصارا ب SETI يعتمد
على الآثار الذكية في إشارات الراديو المنبعثة من الخارج، و كل ما هو من المفروض
أن يقبع تحت الSETI أننا بإمكاننا تصفية إشارات الراديو الناتجة عن
الأحداث الطبيعية بهدف تأويل الإشارات ذوات تصميم معين فيما بعد.
العالمان
البيولوجيان فرانسيس كريك و ليسلي أورجل (Francis
Crick and Leslie Orgel) اقترحوا فكرة مغزاها أن الحياة معقدة جدا على أن تظهر في كوكب
الأرض و بالتالي من الممكن أن تكون قد زرعت عن طريق سكان فضاء أذكياء (كانوا قد سافروا
في مركبات فضائية عبر مجموعتنا الشمسية) (3) بالرغم من أن هذه الفكرة يمكن أن
يعتبرها أي واحد منا فكرة طائشة و غير جديرة بالتصديق، فنظرية نشر البذور الشامل
الموجه (التي تدعي أن الحياة انطلق من مكان ما ثم انطلق إلى الأرض على هيئة أبواغ
أو جراثيم) المسماة بالإنجليزي Panspermia Directed
يعتبرها المجتمع العلمي مع ذلك فرضية مقبولة داخل حدود العلم. فنظرية كريك و
أورجيل تقترح نظرة للحياة على الأرض قائمة على مبدأ التصميم.
فالعلم
يحتاج أيضا لاستعمال مصطلح التصميم حفاظا على شرفه و قيمته. فإن انتحال و تزوير
المعطيات يعتر للأسف أمرا أكثر شيوعا مما لا يمكن لأحد أن يقبل به (4). ففي
"أخبار التعليم العالي" The Chronical of Higher Education تم
تسجيل حالة جديرة بالذكر:
"في
العام الماضي قام الأستاذ رايموند جي دو فريس، (Raymond G.
De Vries) و هو أستاذ عضو في التربية الصحية بجامعة ميشيكن Michigan في آن أبور، رفقة ثلاثة من زملائه
بإحصاء أكثر من 3000 عالم بهدف معرفة ما إذا كان أحدهم متورطا في أي نوع من أنواع
السلوك الغير الأخلاقي كتحريف لدراسة علمية بسبب ضغوطات من طرف الجهات المانحة أو
كعدم تقديم معطيات تناقض عمله. فالجزأ الثالث من العلماء اعترفوا بارتكابهم أخطاء
في الخُلُق العلمي." (5)
فالعامل المحوري لضبط عمليات الغش هذه يكمن في مهارة
كشفها. ففي كل الحالات فكل ما يتم الكشف عنه هو التصميم.
إذا كان التصميم على هذا
الأساس يمكن كشفه بسهولة داخل العديد من الفروع العلمية و مهارة كشفه تعتبر واحدة
من العوامل الأساسية التي تحافظ على شرف و مصداقية العلم. فلم يتم إقصاء التصميم
مسبقا من علم البيولوجيا؟ و ماذا لو كانت النظم البيولوجية تظهر بوضوح وجود نماذج تصميم؟
المراجع:
1) Francisco
J. Ayala, “Darwin´s Revolution” in Creative Evolution?!, eds. J. H.
Campbell and J. W. Schopf (Boston: Jones and Bartlett, 1994), 4.
2) David Hull, Darwin and
His Critics: The Reception of Darwin´s Theory of Evolution by The Scientific
Community (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1973), 26.
3) Francis Crick and
Leslie E. Orgel, “Directed Panspermia”, Icarus 19 (1973): 341-346.
4) Eliot Marshal, “Medline
Searches Turn Up Cases of Suspected Plagiarism,” Science 279 (1998): 473-474.
Lila Guterman, “Sense of Injustice Can Lead Scientists to Act Unethically,
Study Finds,” Chronicle of Higher Education, (April 7, 2006)
5) Lila Guterman, “Sense of
Injustice Can Lead Scientists to Act Unethically, Study Finds,” Chronicle of
Higher Education, (April 7, 2006).
التعريف
بالكاتبين:
ويليام دومبسكي (William
Dembeski) حاصل على شهادة الدكتوراه
في الفلسفة في جامعة إيليون في شيكاغو و على شهادة الدكتوراه في الرياضيات بجامعة
شيكاغو. يعتبر واحدا من أهم منظري التصميم الذكي و له عدة مؤلفات في هذا المجال.
هو صاحب أول كتاب للتصميم الذكي تم نشره من طرف دار نشر جامعية معترف بها:
The Design
Inference: Elimitating Chance Through Small Probabilities. (Cambridge
University Press.1998)
و هو باحث في معهد ديسكافري.
جوناتهان ويلز: حاصل على الدكتوراه
في البيولوجيا الخلوية و الجزيئية في جامعة كاليفورنيا في بيركليي Berkeley. حايلا هو واحد من أهم الباحثين في معهد ديسكافري.
تمت ترجمته من:
Dembski, W.; Wells J. (2008) the Design of Life: Discovering
Signs of Intelligence in Biological Systems, The Foundation for Thought and
Ethics, Dallas, p. 3-5.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق