الاثنين، 9 يونيو 2014

انهيار الجد المشترك في السلسلة التطورية للطيور : الأركيوبتركس.


مستحاثة الأركيوبتركس معروضة في متحف برلين
منذ سنة 2010 و نظرية التطور تتلقى الضربات تلو الضربات الموجعة كان أولها عند اكتشاف بقايا أقدم رباعي الأقدام في شرق بولونيا مما أدى إلى انهيار عدة مستحاثات لكائنات منقرضة كان التطوريون قد أولوها على أنها حلقات انتقالية،  و آخر هذه الضربات كانت قد تلقتها سنة 2013 باكتشاف أقدم طائر عاش على وجه الأرض. و قبل هذا التاريخ كانت المنتديات  و المقالات العلمية  و النقاشات التي تدور بين التطوريين حول أصل الطيور و حول الأشكال الانتقالية عادة ما يلجأون إلى ذكر طائر الأركيوبتركس كمثال واضح و صارخ على صحة الإدعاء بأن الطيور يعود أصلها إلى الزواحف و كان قد استحق بذلك لقب أشهر مستحاثة انتقالية في اللائحة التي كان قد رسمها التطوريون و لطالما دافعوا عن هذه المستحاثة باعتبار أن الأركيوبتركس كان يمتلك عدة صفات مشتركة مع الزواحف من بينها الأسنان و المخالب في أطراف أجنحته ،و لطالما كان المدافعون عن حقيقة الخلق ما يؤكدون على أن الأركيوبتيركس لم يكن سوى نوع من الطيور المنقرضة التي تمتلك ميزات كانت قد ظهرت معها و على أن المخالب التي تمتلكها في أطراف أجنحتها لا زلنا نشاهدها ليومنا هذا في بعض الأنواع من الطيور ك التوراكو و الهواتزين . و قد كشف السجل الأحفوري عن وجود الأسنان في عدة أنواع من الطيور المنقرضة من قبل إلا أنهم عادة ما كانوا يتهموننا بإنكار الأدلة و البراهين الواضحة على صحة ادعاءاتهم.

 Aurornis xui رسم تقريبي لمستحاثة 

و لقد كانت الصدمة كانت قوية و مدوية عندما تم اكتشاف مستحاثة أقدم طائر عاش على سطح الأرض في جمهورية الصين الشعبية على يد إحدى المزارعين و قد أطلقوا عليه اسم Aurornis xui و قد عاش هذا الطائر منذ حوالي 150 إلى 160 مليون سنة (أي عاش تقريبا في نفس الحقبة أو يزيد عن الأركيوبتيريكس الذي عاش منذ 150 م.س) طوله حوالي نصف متر من رأس منقاره إلى أقصى ذيله و جسده مغطى بالريش ويملك أسنان صغيرة و قوائم أمامية طويلة. و قد اعترف الباحث كودفروا (Godfroit) الذي يعمل بالمعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية ببروكسيل لمجلة الطبيعة المشهورة و المعروفة بدعمها للتطور بأن المستحاثة تنتمي إلى طائر شبيه بالطيور المعاصرة. و قد تم الاعتراف في نفس المجلة على أن العلاقة بين الطيور و الديناصورات قد صارت أكثر ضبابية مما كانت عليه من قبل و هذا ما سيفرض عليهم تعديل الشجرة التطورية للطيور. (1)

 صورة لمستحاثة الطائر التي تم اكتسافها في الصين 

إلا أنه هناك بعض التطوريين الذين لم يصدقوا ما جرى فقرروا طمس أعينهم لدرجة أنهم أنكروا حتى انتماء هذه المستحاثة الجديدة لعائلة الطيور بالرغم من نوعية دمها الحار و بنية الريش الذي يغطي جسدها بأكمله، حيث علق العالم لويس تشياب مدير معهد الديناصورات في متحف التاريخ الطبيعي بمدينة لوس أنجلس بولاية كاليفورنيا على هذا الخبر بالقول: "يبدوا أنه قريب شيء ما من أصل الطيور إلا أنه ليس بطائر" (2). و الدافع وراء هذا الجحود هو الغياب الكلي لأي حلقة انتقالية يمكنها إثبات أن أصل الطيور يعود فعلا إلى الديناصورات إلى أن اكتشاف مستحاثة Aurornis xui قد أعاد مسألة أصل الطيور 10 ملايين سنة إلى الوراء مع العلم أنه يعتبر شبيه إلى حد كبير بالطيور المعاصرة.

المراجع:
(1). (2)- http://www.nature.com/news/new-contender-for-first-bird-1.13088


الجوانب الرئيسية الثلاث للتعقيد الغير القابل للاختزال. -ويليام دومبسكي و جوناثان ويلز.

    في كتاب ""الصندوق الأسود لدارون" قام بيهي بإظهار أن التعقيد الغير القابل للاختزال لعدة آلات جزيئية يعتبر دليلا مقنعا على التصميم الواقعي في علم الأحياء. فمنذ نشره سنة 1996 و كتابه يعرف مراجعات عديدة على مستوى الصحافة الشعبية أو الإصدارات العلمية (1) كما أنه كان محور العديد من النقاشات عبر شبكة الانترنت (2). و لقد اعترف المنتقدون لفكرة بيهي لوقت طويل على أن هذا الأخير يفسر براهينه من دون أي تعقيدات. كما اعترفوا له أيضا بتأكيده على أن أمثلة الداروينية الجديدة التي بإمكانها تفصيل مسألة ظهور الآلات البروتينية المعقدة بشكل لا يقبل الاختزال تمتاز بغيابها الكلي في الأدبيات البيولوجية. و مع ذلك، فقد عارضوا برهانه على أساس مسائل نظرية و منهجية. قام بيهي بتقديم ما يمكن وصفه ببرهان التعقيد الغير القابل للاختزال الذي يقوم على إظهار أن هذه النظم البيولوجية المعقدة بشكل لا يقبل الاختزال لا يمكن بلوغها عبر الآليات التطورية و على أن التصميم الذكي يقدم تفسيرا أفضل.

كيف وصل برهان التعقيد الغير القابل للاختزال إلى هذه النتيجة؟ فهذا البرهان يمكن استيعابه كبرهان قائم على ثلاث جوانب رئيسية: الجانب المنطقي و الجانب التجريبي و أخيرا الجانب التفسيري. بالإضافة إلى ذلك، فهذه الجوانب تقوي بعضها البعض بهدف إظهار أن النظم المعقدة بشكل لا يقبل الاختزال لا يمكن بلوغها عبر الآليات التطورية المتعارف عليها. فالجانب المنطقي هو كالآتي: البنيات المعقدة بشكل لا يقبل الاختزال تعتبر –بشكل يقبل الإثبات- غير قابلة الولوج أمام السبل التطورية المباشرة. و السبيل التطوري المباشر هو السبيل الذي يتطور فيه نظام ما عبر الانتخاب الطبيعي بالعمل على إتمام وظيفة معينة. بالرغم من تطور النظام فإن الوظيفة لا تتطور بل تبقى هي نفسها.

على هذا المنوال، يمكننا أن نتصور أنه خلال تطور القلب فالوظيفة التي ابتدأ بها كانت هي مضخة الدم. في هذه الحالة، فالسبيل الدارويني المباشر يمكنه تفسير ذلك. و من جانب آخر، يمكننا تصور أنه خلال تطور القلب فقد كانت وظيفته الأولية هي القيام بضربات رنانة و مدوية بهدف إخافة المفترسين و أنه قد اكتسب وظيفة ضخ الدم بعد ذلك. في هذه الحالة، فنحن نحتاج إلى سبيل دارويني غير مباشر من أجل إيضاح ذلك. فالسبل هنا هي غير مباشرة لأنه لا تتطور مكونات النظام فقط و إنما تتغير الوظيفة أيضا. أما إذا طرحناه الآن  كجانب منطقي فإن برهان التعقيد الغير القابل للاختزال يتعلق باستبعاد السبل التطورية المباشرة. فهذا يتجلى بشكل واضح حتى في تعريف التعقيد الغير القابل للاختزال حيث أن عامل "عدم قابلية الاختزال" قد تم تعريفه بشكل دقيق على أساس وظيفة وحيدة، المسماة ب الوظيفة الأساسية للنظام الغير القابل للاختزال (حيث ستنتفي الوظيفة إذا لم تتواجد جميع أجزاء النواة الغير القابلة للاختزال في أماكنها).

باستبعاد السبل الداروينية المباشرة للنظم المعقدة بشكل لا يقبل الاختزال فإن البرهان انطلاقا من التعقيد الغير القابل للاختزال يؤكد على أن النظم الكيميائية الحيوية المعقدة تعقيدا لا يقبل الاختزال تعتبر –بشكل يقبل الإثبات- غير قابلة الولوج أمام السبل التطورية المباشرة. كيف يمكننا التأكد من ذلك؟  باعتبار ما يعنيه تطور نظام معقد بشكل لا يقبل الاختزال عبر سبيل داروينية مباشرة، ففي هذه الحالة، فالنظام كان عليه أن يتطور عبر نظم بسيطة استطاعت تحسين نفس الوظيفة الأساسية. إلا أن النواة الغير القابلة للاختزال لنظام معقد بشكل لا يقبل الاختزال لا يمكن تبسيطها من دون أن تفقد الوظيفة الأساسية، لا يمكن العثور على سوابق تطورية تمتلك نويات أكثر بساطة تقوم بنفس الوظيفة.

جبل راشمور
إذن فالمسلك الوحيد الذي يملك سبيلا داروينيا مباشرا يمكنه من تطوير نظام معقد بشكل لا يقبل الاختزال هو بتطوير كل النظام دفعة واحدة، أي عبر حدث غير محتمل الوقوع بشكل كبير و عشوائي. و حسب ذلك، فإن إيعاز التعقيد الغير القابل للاختزال إلى سبيل داروينية مباشرة يعتبر مثله مثل إيعاز أصل جبل راشمور للرياح و للتعرية. قد يكون قابلا للتصور أن الرياح و التعرية قد استطاعوا نحث جبل راشمور لكنها ليست إمكانية واقعية. فالدليل على أن النظم المعقدة بشكل غير قابل للاختزال هي غير قابلة الولوج أمام السبل الداروينية المباشرة هو بالتالي دليل احتمالي. فعند تأكيد هذا الأمر فإن أنصار التصميم الذكي يقولون على أن الآلية التطورية ليس لديها القدرة الذاتية على إنتاج تلك النظم ما عدا عن طريق أحداث عشوائية و بعيدة الاحتمال إلى حد كبير.

على أي، فمنتقدو التعقيد الغير القابل للاختزال لا يبحثون إنقاذ الداروينية باللجوء إلى السبل الداروينية المباشرة و إنما يشيرون إلى سبل داروينية غير مباشرة للبرهنة على ظهور هذا التعقيد. ففي السبل الغير المباشرة، فالنظام لا يتطور عبر الحفاظ على وظيفة موجودة و إتمامها و إنما بتغيير وظيفته باستمرار. بمعنى آخر، في السبل المباشرة فالبنيات تتطور و لكن الوظائف تبقى كما هي بينما في الغير المباشرة فالبنيات و الوظائف تتطور سويا.

كيف أن برهان التعقيد الغير القابل للاختزال يتحكم في تفسير السبل الداروينية الغير المباشرة؟ فالأمر هنا لم يعد مسألة منطقية و إنما صار مسألة تجريبية. فبالنسبة للنظم المعقدة تعقيدا لا يقبل الاختزال فالسبل الغير المباشرة تعتبر مجهولة. ففي أفضل الحالات فقد استطاع البيولوجيون عزل نظم ثانوية تؤدي وظائف أخرى. لكن أي آلة معقدة، دائما ما تحوي داخلها نظم ثانوية يمكنها القيام بوظائف أخرى مختلفة عن التي تقوم بها الآلة بأكملها. على هذا المنوال، فمسألة مصادفة أو تحديد نظم ثانوية استطاعت القيام بوظائف أخرى لا يعتبر دليلا على أن سبيلا داروينيا غير مباشر هو المسؤول عن إنتاج النظام. فما نحتاج إليه هو وصف دارويني متكامل و مفصل و قابل للاختبار بخصوص كيف أن النظم الثانوية التي عرفت تطورا موازيا قد استطاعت أن تتحول تدريجيا إلى نظام معقد بشكل لا يقبل الاختزال. إلا أن تلك الأوصاف هي غير متوفرة أو غير كاملة و لو وجدت بالفعل فمنتقدو التصميم الذكي سوف لن يحتاجوا سوى إلى عرضها و سيستطيعون حينها دحض التصميم الذكي.

إجمالا، فبرهان التعقيد الغير القابل للاختزال يبنى على جانب تجريبي و آخر منطقي. فالجانب المنطقي هو أن التعقيد الغير القابل للاختزال قد ترك البنيات البيولوجية غير قابلة للولوج –بشكل يقبل الإثبات- أمام السبل الداروينية المباشرة. أما الجانب التجريبي فيقوم على أساس الفشل المريع  للبيولوجية التطورية في ايجاد سبل داروينية غير مباشرة يمكنها انتاج بنيات معقدة بشكل لا يقبل الاختزال، و بالتالي فإن ذلك يعتبر سببا كافيا للشك أو بالأحرى لاستبعاد فكرة أن السبل الداروينية الغير المباشرة هي المسؤولة عن ظهور النظام. فكلا الجانبين المنطقي و التجريبي يشكلان سويا تحديا كبيرا أمام الآليات الداروينية التي يتم عرضها بشكل نمطي باعتبارها القادرة على حل جميع إشكاليات التعقيد البيولوجي منذ ظهور أشكال الحياة الأولية في المشهد. و بالرغم من ذاك، فإن الجانبين المنطقي والتجريبي لا يستطيعان مجتمعين أن يجيبا عن كيفية الانتقال من فشل الداروينية في تفسير آليات التعقيد الغير قابل للإختزال إلى أهلية التصميم في تفسيرها.  
                                                  
فبرهان التعقيد الغير القابل للاختزال يحتاج هنا إلى بناء جانب ثالث أساسي و هو الجانب التفسيري. فالتفسيرات العلمية تظهر بأشكال و طرق مختلفة إلا أنه هناك شيء لا يمكن أن ينقصها: الكفاية السببية. فالتفسيرات العلمية تحتاج إلى الاستعانة بالقوى السببية الكافية لتفسير الأمر المشار إليه، و في عكس ذلك فإنه يبقى دون تفسير. و الأمر المشار إليه هنا هو التعقيد الغير القابل للاختزال الموجود في عدة آلات كيميائية حيوية، فكيف ظهرت هذه النظم؟ ليس عبر السبل الداروينية المباشرة –التي يستبعدها التعقيد الغير القابل للاختزال منطقيا و رياضيا، و لا عبر السبل الغير المباشرة –و غياب الدليل العلمي هنا يعتبر أمرا هاما. و لا حتى اللجوء إلى آليات مادية يمكن أن يساعد في شيء، و في هذه الحالة لا يعتبر الدليل غائبا فقط و إنما أيضا النظرية التي ليس عليها أي دليل.

و بالتالي فإنه لا يوجد أي دليل على أن آليات مادية قد تكون سببيا كافية لظهور النظم المعقدة بشكل لا يقبل الاختزال. لكن، ماذا عن الذكاء؟ فالذكاء معروف بقدرته على انتاج تلك النظم (على سبيل المثال، فالإنسان دائما ما ينتج آلات معقدة تعقيدا لا يقبل الاختزال). من هنا يمكننا استنتاج أن الذكاء يعتبر من وجهة نظر سببية كافيا لإنتاج التعقيد الغير القابل للاختزال، و بالتالي فالجانب التفسيري لهذا البرهان يقوم على أساس الكفاية السببية و هذا ما يجعل من التصميم الذكي تفسيرا منطقيا بالمقارنة مع الآليات الداروينية عند تفسير ظهور النظم المعقدة تعقيدا لا يقبل الاختزال.

فعند ذكر الجانبين المنطقي و التجريبي فبرهان التعقيد الغير القابل للاختزال يتبنى دورا سلبيا أو نقديا عند كشف حدود الآلية الداروينية. في مقابل ذلك فعند الإشارة إلى جانبه التفسيري، فهو يتبنى دورا بناءا و إيجابيا مظهرا بذلك أسبابا إيجابية تجعلنا نفكر أن النظم المعقدة بشكل لا يقبل الاختزال هي بالفعل نتاج تصميم ذكي. من المحتمل على أنه قد بقيت هناك مسألة بخصوص هذه الجوانب. فالجانب المنطقي يستبعد السبل الداروينية المباشرة من التعقيد الغير القابل لاختزال بينما يستبعد الجانب التجريبي السبل الداروينية الغير المباشرة منه.  إلا أن غياب الدليل التجريبي للتعقيد الغير القابل للاختزال يعتبر أمرا تاما بالنسبة للمسارات الداروينية المباشرة و الغير المباشرة. يبدوا أن الجانب المنطقي يعتبرا زائدا باعتبار أن الجانب التجريبي هو في غنى عن كلا المسارين. إلا أن الجانب المنطقي يعزز المسألة ضد الداروينية في مسار لا يقدر عليه الجانب التجريبي.

إذا ما لاحظت أفضل الأمثلة المؤكدة للتطور في الأدبيات البيولوجية (منذ داروين إلى وقتنا الحاضر) فكل ما ستجده هو الانتخاب الطبيعي الذي يقوم بانتظام بتحسين صفة معينة و بإتمام وظيفة معينة في مسار معين. و فعلا فإن مفهوم "التحسين" (الذي يلعب دورا محوريا في كتاب أصل الأنواع لدارون) يشير إجمالا أن شيء معين يسعى باستمرار لبلوغ حالة جديدة و مميزة في ناحية معينة. على عكس ذلك، تعتبر البرهنة على المسار التطوري الغير المباشر (الذي تقوم الوظيفة فيه بفسح المجال أمام وظيفة أخرى و بالتالي فهي لا تستطيع أن تتحسن لأنها لم تعد موجودة) أمر صعب للغاية بالرغم من أنه غالبا ما يتم استنتاجه من طرف البيولوجيين التطوريين انطلاقا من المعطيات الأحفورية و الجزئية.

ليس بالأمر الصعب معرفة السبب: فمن المعلوم أن الانتخاب الطبيعي لا يختار سوى الوظائف الموجودة -و بتعبير آخر، لا يختار سوى الوظائف المتواجدة في مكانها المحدد و التي تساعد الكائن الحي بشكل من الأشكال. من جانب آخر، فالانتخاب الطبيعي لا يمكنه اختيار وظيفة مستقبلية –أي الوظائف الغير المتواجدة حالا أو التي لا تتواجد في المكان المطلوب بحيث تقوم بمساعدة الكائن الحي بشكل من الأشكال على البقاء على قيد الحياة أو على التوالد- و هي تعتبر غير مرئية بالنسبة للانتخاب الطبيعي. و حال مجيء الوظيفة الجديدة إلى الوجود حينها تستطيع الآلية الداروينية انتقاءها. لكن خلال التحول من الوظائف القديمة إلى الجديدة فليس هناك أي مهمة تتلاءم مع طبيعة الآلية الداروينية. فكيف يتم التطور من نظام ذو وظيفة لها قابلية الانتقاء و موجودة إلى نظام جديد ذو وظيفة جديدة و قابلة للانتقاء؟ فبما أن الانتقاء الطبيعي لا ينتقي سوى الوظائف الموجودة، دون أي مساعدة هنا، و كل الثقل يلقى الآن على التباين العشوائي عند إنتاج التعديلات الصحيحة و الضرورية خلال هذا الوقت من التحول الضروري عندما تكون الوظائف تتغير. (أو كما قال داروين: "إذا لم تحدث تغيرات مفيدة فالانتخاب الطبيعي لا يمكنه فعل أي شيء"). (3) و لا زال الدليل الحالي على أن الطفرات العشوائية تستطيع القيام بتغيرات متتالية و ضرورية من أجل التطور نحو التعقيد الغير القابل للاختزال يعتبر باطل و غير موجود.

فعند صياغة الجانب المنطقي الذي يستبعد فيه التعقيد الغير القابل للاختزال المسارات الداروينية المباشرة فإن برهان هذا التعقيد يستبعد الشكل التطوري الأفضل تأكيد. في المقابل، فالمسارات الداروينية الغير المباشرة تعتبر على هذا النحو مفتوحة بلا حدود لعدم إمكانية اختبارها علميا إلا إذا كانت محددة بدقة و بشكل لا يتغير، و عندما يتعلق الأمر بالنظم المعقدة بشكل لا يقبل الاختزال، فهي (أي المسارات الداروينية) تعتبر غير محددة و هذا ما يجعلها غير قابلة للدحض و غير قابلة للإثبات. فعند الحديث عن جانبه المنطقي فإن برهان التعقيد الغير القابل للاختزال يستعمل المنطق بحيث يستطيع محاصرة الآلية الداروينية بأكثر دقة ممكنة.

فالأمر ليس فقط مسألة أن بعض النظم البيولوجية قد تكون معقدة على هذا الشكل بحيث لا يمكن لأي كان تصور كيف قد تطورت عبر المسارات الداروينية. و إنما يمكننا البرهنة في الختام على أن المسارات االداروينية المباشرة تعتبر سببيا غير ملائمة حتى تؤدي إلى ظهورهم و على أن المسارات الغير المباشرة، التي هي دائما صعبة الإثبات، توجد بشكل مطلق خارج المجال التجريبي. و على النقيض تماما فإننا نعلم ذلك الذي لديه القدرة السببية على إنتاج التعقيد الغير القابل للاختزال: التصميم الذكي.


صاحب المقال:
ويليام دومبسكي (William Dembeski) حاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة في جامعة إيليون في شيكاغو و على شهادة الدكتوراه في الرياضيات بجامعة شيكاغو. يعتبر واحدا من أهم منظري التصميم الذكي و له عدة مؤلفات في هذا المجال. هو صاحب أول كتاب للتصميم الذكي تم نشره من طرف دار نشر جامعية معترف بها:
 The Design Inference: Elimitating Chance Through Small Probabilities. (Cambridge University Press.1998)
 و هو باحث في معهد ديسكافري.

جوناثان ويلز (Jonatyhan Wells): حاصل على الدكتوراه في البيولوجية الخلوية و الجزيئية من جامعة كاليفورنيا في بيركلاي. حاليا هو واحد من الباحثين الأساسيين في معهد ديسكافري.

تمت الترجمة من كتاب:
Dembski, W.; Wells J. (2008) the Design of Life: Discovering Signs of Intelligence in Biological Systems, The Foundation for Thought and Ethics, Dallas, p. 156-160. 

المراجع:
1-  كمثال على المراجعات عي مستوى الصحافة الشعبية انظر:
James Shreeve,“Design for Living,” New York Times, Book Review Section (4 de agosto de 1996): 8; Paul R. Gross, “The Dissent of Man,” Wall Street Journal (30 de Julio de 1996): A12; y Boyce Rensberger, “How Science Responds When Creationists Criticize Evolution,” Washington Post (8 de Enero de 1997): H01.

و كمثال على المراجعات في المجلات العلمية انظر:
Jerry A. Coyne, “God in the Details,” Nature 383 (19 de Septiembre de 1996): 227-228; Neil Blackstone, “Argumentum Ad Ignorantiam,” Quarterly Review of Biology 72(4) (December de 1997): 445-447; y Thomas Cavalier-Smith, “The Blind Biochemist,” Trends in Ecology and Evolution 12 (1997): 162-163.

2-  راجع صفحة جون كاتالانو (John Catalano) المعنونة ب "Behe´s Empty Box":

3 -داروين، أصل الأنواع، 82.