مايكل
بيهي (Michael Behe)
بالرغم
من أنه قد يبدو غريبا، فالكيمياء الحيوية قد أظهرت أن الخلية تعمل عن طريق آلات
جزيئية. و على غرار نظيراتها المصممة من طرف الإنسان (كمصيدة الفئران و الدراجات
الهوائية و المكوكات الفضائية) فالآلات البيولوجية تنقسم من البسيطة إلى ما هو
أكثر تعقيد: هناك الميكانيكية و مولدات الطاقة كالتي تعتمد عليها العضلات، و هناك
الإلكترونية كالتي توجد في الأعصاب، و هناك التي تعمل بالطاقة الشمسية بالخصوص كالتي
تتدخل في عملية التركيب الضوئي. و كما هو مؤكد، فالآلات الجزيئية تتكون أساسا من
البروتينات و ليس من المعدن أو البلاستيك. في هذا المقال سوف أناقش هذه الآلات
الجزيئية التي تسمح للخلايا بالتنقل في الوسط السائل و أنت عزيزي القارئ ستدري ما الذي
يستلزمها حتى تستطيع عمل ذلك.
و قبل أن أبدأ أود أن أقول أنه من أجل فهم
المكونات الجزئية للحياة فيجب على الشخص أن تكون له دراية حول كيفية عمل
البروتينات، فالذين يودون معرفة كل التفاصيل حول كيفية تركيب البروتينات و كيف أن
بنياتها تسمح لها بالعمل بشكل فعال، إلخ فأنا أنصحهم بالذهاب إلى المكتبات و البحث
عن كتاب كمدخل للكيمياء الحيوية. و بالنسبة للذين لا يودون معرفة سوى بعض التفاصيل
القليلة كأنواع الأحماض الأمينية الموجودة أو كمستويات تنظيم البروتينات فلقد
أدرجت ملحقا يتحدث حول البروتينات و الأحماض الأمينية. أما لفهم هذا المقال فإن
نظرة شاملة لبعض هذه المكونات الأساسية سيكون كافيا.
معظم
الناس يتصورون البروتينات كما لو أنها شيء يؤكل. إلا أنها تلعب أدوارا نشيطة جدا
في بنية الحيوان أو النباتات الحية. البروتينات هي آلات توجد في الأنسجة و لها
القدرة على بناء البنيات و القيام بالتفاعلات الضرورية للحياة. فعلى سبيل المثال
فأول خطوة لأخذ الطاقة من السكر و تحويله إلى شكل من أشكال الطاقة التي يستعملها
الجسد يتم ذلك بفضل بروتين تحفيزي (يعرف أيضا بالأنزيم) يسمى هِكسوكيناز؛ و الجلد
يتكون بشكل أساسي من بروتين يسمى الكولاجين. و عندما ينبعث الضوء إلى شبكية عينك
فالبروتين المسمى رودوبسين يقوم ببدأ عملية الرؤية. كما يمكنك أيضا ملاحظة عبر هذا
العدد المحدود من الأمثلة أن البروتينات لها طبيعة متقلبة بشكل يثير الدهشة، إلا
أن كل بروتين على حدة لا يملك سوى وظيفة واحدة أو وظائف قليلة: فالرودوبسين لا
يمكنه تكوين الجلد و الكولاجين لا يمكنه التفاعل بشكل فعال مع الضوء، و بالتالي
فالخلية العادية تمتلك العديد و العديد من الأنواع المختلفة من البروتينات من أجل
القيام بالعديد من الأنشطة البيولوجية.
البروتينات
تتكون من أحماض أمينية مترابطة كيميائيا في سلسلة. و كل سلسلة بروتينية عادية يمكن
أن تتكون من خمسين إلى ألف حمض أميني. و كل نوع من العشرين نوعا من الأحماض
الأمينية المختلفة يأخذ موضعا محددا في السلسلة هذه. و في هذا فهي تشبه الكلمات
التي يمكنها أن تشكل عدة نصوص ذات أحجام مختلفة باستعمال فقط 26 نوعا من الحروف.
حتى نضعكم في الصورة بشكل أكثر تطبيقا، فعلماء الكيمياء الحيوية يشيرون إلى كل نوع
من الأحماض الأمينية بحرف معين بغرض الإيجاز: ج=جلايسين (G/Glycin)، س= سيرين (S/Serine)، ه= هيستيدين (H/Histidine) و هكذا تباعا. و كل نوع من
هذه الأحماض الأمينية له شكل و خصائص كيميائية مختلفة، على سبيل المثال، ف W (تريبتوفان المشار إليه ب
حرف Tryptophane W) هو كبير بينما A (ألانين Alanine A) صغير، و R (أرجينين Argenine) لديه حمولة إيجابية بينما E (Glutamic
acid) له
حمولة سلبية، و S (سيرين)
يذوب في الماء بينما I (Isoleucine) ينحل في مكونات عضوية،
إلخ.
عندما
تفكر في هذه السلسلة من المحتمل أنك تتصورها شيءا قابلا للتغير و التعديل في أي
لحظة باعتبارها لا تملك شكلا محددا. إلا أن هذه السلاسل من الأحماض الأمينية – أو
بروتينات إن صح التعبير- ليست كذلك. فالبروتينات العاملة داخل الخلية فهي تطوى
لتشكيل بنيات دقيقة جدا، و كل بنية يمكن أن تكون مختلفة بشكل كلي في الأنواع
المختلفة من البروتينات. فعملية الطَّي تحدث بشكل تلقائي عندما تنجذب الأحماض
الأمينية ذات الشحنة الإيجابية من طرف الأخرى ذات الشحنات السلبية أو عندما تتقارب
الأحماض الأمينية القابلة للذوبان في المكونات العضوية فيما بينها بهدف الإنفصال
عن الماء أو عندما تنتقل الأحماض الأمينية ذات الحجم الكبير من الفضاءات الضيقة،
إلخ (الصورة 1). فسلسلتين اثنتين من الأحماض الأمينية (أو بروتينين مختلفين)
يمكنهما الإنطواء في بنيات جد محددة و بشكل يختلف من الواحدة إلى الأخرى كما لو
كانتا مفتاحين ميكانيكيين قابلين للتنظيم.
شكل
البروتين المنطوي و الوضع المحدد للأحماض الأمينية المختلفة هو ما يسمح للبروتين
بالقيام بوظيفة محددة. فعلى سبيل المثال: إذا كانت وظيفة البروتين تكمن في
الإتحاد بشكل محدد مع بروتين آخر، فكلاهما
يجب أن يتطابقا مع بعضهما البعض كما هو الحال مع اليد و القفازين. (الصورة 2). إذا
كان الحمض الأميني ذو شحنة إيجابية في البروتين الأول فالبروتين الثاني يجب أن
يتوفر على حمض أميني ذو شحنة سلبية أما غير ذلك فالاثنين سوف لن يجتمعان. إذا كانت
وظيفة البروتين هي تحفيز التفاعل الكيميائي فإن شكل الأنزيم يجب أن يتفاعل مع شكل
المادة الكيميائية المتأثرة به (Substrate) و عندما يجتمعان فالأنزيم حينها يملك أحماض أمينية متمركزة بشكل
دقيق و هو ما يحرر التفاعل الكيميائي. فإذا تم تعديل شكل المفتاح الميكانيكي فسوف
يفقد وظيفته. كما أنه إذا تم تعديل شكل البروتين فسوف يفقد وظيفته بشكل كامل.
فالكيمياء
الحيوية قد بدأت مشوارها منذ حوالي 40 سنة عندما بدأ العلم بفهم كيفية عمل
البروتين. و منذ ذلك الحين فقد دارت هناك عدة نقاشات بهدف فهم كيف أن بروتينات
خاصة تقوم بأدوار محددة. و بشكل عام فإن النشاط الخلوي يتطلب عمل فريق من
البروتينات و كل عضو في هذا الفريق يقوم بجزء واحد فقط من هذا العمل الطويل. و
بهدف عمل الأشياء بأكثر بساطة ممكنة، ففي هذا الكتاب سوف أركز على فِرَق
البروتينات.
التعريف
بالكاتب:
مايكل
بيهي (Michael Behe) حاصل على الدكتورة في
الكيمياء الحيوية من جامعة بينسيلفانيا سنة 1987. حاليا فهو يعمل كأستاذ بجامعة
لاي (Leigh) و هو باحث في معهد ديسكافري (Discovery). هو واحد من أهم المنظرين للتصميم الذكي و كتب عدة كتب حول هذا
الموضوع. فكتابه: "الصندوق الأسود لداروين: البيولوجيا الكيميائية تتحدى
التطور" قد إختير من طرف مجلة National
Review و World من بين 100 كتاب الأكثر
أهمية خلال القرن 20.
تمت
الترجمة من كتاب: "الصندوق الأسود
لداروين"
Behe, M. (1996) Darwin's Black Box: The Biochemical
Challengue to Evolution, 10th ed. (2006) Free Press, New York, p.
51-53.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق