الأربعاء، 26 مارس 2014

لمذا لم يفند البرهان الذي قدمه بيهي بخصوص السوط البكتيري؟

جوناتهان ماكلاشي. Jonathan McLachie


إن الذين كرسوا بعضا من وقتهم لقراءة الأدبيات الخاصة بالجدال القائم حول التصميم الذكي و التطور سيكونون معتادين بكل تأكيد على الجواب الذي قدمه التطوريون فيما يخص برهان التعقيد الغير القابل للاختزال الذي قدمه بيهي و الذي يتحدث فيه عن السوط البكتيري. على ما يبدو، هناك إجماع في الرأي بين أغلب التطوريين على أن التعقيد الغير القابل للاختزال الموجود في السوط البكتيري قد تم دحضه و على أننا نحن أنصار التصميم الذكي نسعى لتغيير قواعد اللعب بشكل مستمر و ذلك بدفن رؤوسنا في الرمال و بتشبتنا بأدلة جد سطحية. و كما كان متوقعا، قام أحدهم مؤخرا بكتابة ما يلي عبر موقع الفيسبوك:

"ما يزعجني أكثر في أنصار التطور هو عدم استسلامهم أبدا. كم مرة يجب علي أن أقول لك على أن هذا الأمر غير صحيح حتى تتقبله؟ كم مرة تم دحض التصميم الذكي عبر أبحاث معترف بها حتى تعترف على أنها قضية خاسرة؟ إن تاريخ التعقيد الغير القابل للاختزال الموجود في السوط البكتيري يعتبر بشكل مطلق و نهائي أمرا مغلقا. إن ذلك لم يكن سوى مهزلة. و إن اللعبة قد انتهت."

مؤخرا عندما كنت في أحد المطاعم الأدبية التي كانت تحتضن جلسة حول الإيمان و العلم قمت بتقديم السوط كمثال للتعقيد الغير القابل للاختزال و تلقيت أجوبة مماثلة.

لكن، هل يعتبر هذا الإدعاء صحيحا فعلا؟ هل تم دحض هذا الدليل؟ منذ حوالي عام قرأت كتابا بعنوان: "لماذا فشل التصميم الذكي. نقد علمي للخلقيين الجدد." (Why Intelligent Design Fails- A Scientific Critique of the New Creacionism) كتبه كل من مات يونغ و تينر إيديس (Matt Young and Taner Edis) و قد ساهم في كتابة الفصل الخامس من هذا الكتاب يان موسغريف (Ian Musgrave) و الذي يحمل عنوان: "تطور السوط البكتيري" و الذي يحاول فيه الرد على مايكل بيهي و ويليام دومبسكي (Michael Behe and William Dembski) بشكل قطعي و حاسم فيما يخص التعقيد الغير القابل للاختزال. فبينما كنت أقرأ هذا الفصل أتذكر عدم شعوري بأي انطباع. ففي الصفحة 82 يقدم موسغريف البرهان التالي:

"هذا هو السيناريو المحتمل لتطور السوط البكتيري: يظهر أولا نظام الإفراز قائم على قضيب SMC و على تركيب معقد من المسام، و الذي يعتبر الأصل المشترك بين نظام الإفراز من النمط الثالث و النظام السوطي. و بإشراك مضخة أيونية (و التي ستتحول فيما بعد إلى بروتين للمحرك) إلى هذه البنية سمحت بتطوير وظيفة الإفراز. حتى اليوم، فبروتينات المحرك و التي تنتمي لعائلة من البروتينات تقوم بالإفراز يمكنها الإنفصال و الاتحاد من جديد مع بنية السوط بكل سهولة. فالقضيب و المسام ذو التركيب المعقد ربما كان بإمكانهم الدوران في هذه الحال كما يقع في بعض الأنظمة حيث تكون الحركية عن طريق الانزلاق دون امتلاك محرك. لقد ظهر ليف السوط البدائي فيما بعد كجزء من بنية الإفراز البروتيني (مقارنة مع الشعرة الزائفة (و هي جزء من البروتيوبكتيريا غاما) و الدودات الزائدة ذوات الألياف الموجودة في السلمونيلا و بنيات الألياف الموجودة في الإشريكية القولونية). فالحركية المتناوبة بين الانزلاق و قوة الدفع قد ظهرت خلال المرحلة التالية أو التي بعدها لتستقر بعدها عند حركة السباحة. يمكن أن يضاف التنظيم و التحول فيما بعد لأن هناك بكتيريا معاصرة و التي بالرغم من عدم توفرها على هذه الصفات فهي تعمل بشكل جيد في بيئتها (شاه و ساكت 1995/ Shah and Sockett 1995). في كل مرحلة هناك فائدة للتغيرات في البنية."

في الواقع، فإن مارك بالن و نيك ماتزك (Mark Pallen and Nick Matzke) أدلوا بحجة مشابهة في مقال لهم بمجلة الطبيعة "Nature" عام 2006 (و قد تمت الإشارة إليه من طرف إحدى الجمهور المستمع خلال الزيارة الأخيرة لبيهي إلى المملكة المتحدة). و يُعرَف كين ميلر أيضا بادعاءاته الروتينية المشابهة بخصوص السوط البكتيري انطلاقا من نظام الإفراز من النوع الثالث و الذي يقوم أساسا على اعتبارات التشابه في التسلسلات البروتينات.

إذن، هل بإمكان هذه النقط أن تدحض بشكل نهائي العمل المزعج و المقلق الذي يطرحه التصميم الذكي؟  فهي لا تستطيع. لأن حجج كل من السادة المذكورين آنفا يستهينون بعدة مسائل مهمة. 

أولا و قبل كل شيء، فهم يستهينون بالتعقيد و بالتركيبة الهائلة للنظام السوطي – كجهاز التجميع و التصميم الفني لبنيتها-. في الواقع، فإن العملية التي يتشكل عن طريقها السوط بشكل ذاتي داخل الخلية تعتبر جد معقدة بحيث يجب علي القيام بمجهود كبير حتى أشرحه بشكل مفهوم للأشخاص الذين لا يعلمون شيء بخصوصه. فهذه المفاهيم الأساسية تعتبر صعبة للاستيعاب من طرف أولئك الذين ليسوا معتادين على تصور نظام كهذا أو من طرف أولئك الذين يدرسونه لأول مرة. لكن، و في نفس الوقت، فالأساسات الميكانيكية لتجميع السوط تعمل برشاقة و سحر رائعين كالهندسة الرائعة الموجودة في المحرك السوطي –و هو التحدي الكبير الذي يطرح للتطور- و التي لا يمكن تقييمها بشكل صحيح دون حد أدنى من المعرفة السطحية لعملياتها المدعمة. فلنلق نظرة موجزة.  
  
التجميع الذاتي للجهاز السوطي:

تركيبة السوط البكتيري تتطلب تعبيرا منظما لأكثر من 60 منتوجا جينيا. فتركيبته الحيوية داخل الخلية تنظم عن طريق جينات مرتبة في تسلسل منظم بشكل دقيق و التي فيها التعبير عن جين واحد في مستوى معين يستلزم التعبير المسبق لجين آخر في مستوى عال. و كنموذج للتجميع السوطي نجد السالمونيلا و هي صنف من البكتيريا المعوية و بالتالي فإن مناقشتي سترتكز على هذه البكتيريا ما لم يرد خلاف ذلك.

النظام السوطي للسالمونيلا يتوفر على ثلاث أصناف من المحفزات (المحفز يشبه نوعا من المفتاح المفصلي الجزيئي و الذي بإمكانه بدأ التعبير الجيني عندما يتم التعرف عليه من طرف الحمض الريبوزي النووي ARN و من طرف بروتين مختص متداخل معه يسمى "عامل سيغما"). و هذه المحفزات تعرف ب "الصنف 1" و "الصنف 2" و "الصنف 3" و نسخها التسلسلي مرتبط بعملية التركيب السوطي. فالصنف 1 يحوي جينين اثنين في مشغل واحد (يسميانFlhD  و FlhC). و الصنف 2 يحوي 35 جين موزع على ثمانية مشغلات (بما في ذلك الجينات المسؤولة عن تجميع الخطاف بالجسم القاعدي و بعناصر سوطية أخرى بالإضافة إلى جهاز التصدير و جينين اثنين آخرين منظِّمين يسميان "FliA" و "FlgM"). أما الجينات الأخرى المسؤولة عن تشكل الليف فيتم التحكم فيها من خلال محفزات الصنف الثالث.

محفز الصنف 1 يسوق التعبير عن المنظم الرئيسي (خاص بالبكتيريا المعوية التي تنتمي إليها السالمونيلا) المسمى "FldH4C2" (لا تقلق بشأن تذكره) و حينما يبدأ بالعمل فالمنظم الرئيسي يعمل على محفزات الصنف 2 و يقوم بذلك بالاشتراك مع "عامل سيغما" σ70 (للتذكير فلقد أشرت من قبل أن "عامل سيغما" ل  ARN هو عبارة عن بروتين قادر على الترابط بشكل محدد مع المحفزات الجينية). فمحفزات الصنف 2 هي المسؤولة عن التعبير الجيني للوحدات الفرعية و للمنظمين للخطاف و للجسم القاعدي بالإضافة إلى عامل سيغما آخر يسمى σ28 (و الذي يشفر من قبل جين يسمى FliA) و عامل سيغما مضاد FlgM (كما يشير إليه اسمه فعامل سيغما مضاد يتحد مع عامل سيغما بهدف منع نشاط الاستنساخ). أما عامل σ28 فهو ضروري لتنشيط محفزات الصنف 3 و هنا بالضبط أين نجد أنفسنا في مشكل إذ لا يوجد أي معنى للبدء بتركيب مونومرات الفلاجلين قبل أن يتم تركيب الخطاف و الجسم القاعدي و بالتالي و بهدف كبح σ28 فعامل سيغما المضاد (FlgM) و الذي تمت الإشارة إليه سابقا فهو يكبح نشاطه و يمنعه و ذلك بالعمل على التفاعل الذي يتشكل مع الهولوأنزيم الموجود في ARN. و عندما يتم الإنتهاء من تشكل الخطاف و الجسم القاعدي فعامل سيغما المضاد  FlgM يتم إفرازه عبر البنيات السوطية التي تم إنتاجها من طرف جينات الصنف 2، و بعد ذلك و أخيرا فإن محفزات الصنف 3 (المسؤولة عن تعبير مونومرات الفلاجلين و عن الانجذاب الكيميائي و المحركات المولدة للقوة) يتم تشغيلها من طرف σ28 و يمكن الانتهاء من السوط.

لكن هذا يصبح أحسن بكثير، فنظام التصدير السوطي (الذي عن طريقه يتم حذف  FlgM من الخلية) لديه حالتين من نوعية الركائز (Substrate): ركائز من نوع القضيب/ الخطاف و ركائز من نوع الليف. فخلال عملية التجميع السوطي، فإن "مفتاح" نوعية الركيزة يجب أن يكون مدفوعا حتى يتغير من الحالة السابقة إلى النهائية. و البروتينات التي تشكل أجزاء من الخطاف و من القضيب يجب أن يتم تصديرها قبل تلك التي تشكل الليف. لكن، كيف يأخذ مكانه هذا التغير في نوعية الركيزة؟     

و العنصر الرئيسي في هذه العملية هو بروتين مرتبط بالغشاء يسمى FlhB. كما يوجد كذلك بروتين منظِّم لطول الخطاف يدعى FliK و الذي يقوم بالتأكد من أن طول الخطاف يوجد في القياس الصحيح (55 nm) و نفس البروتين مسؤول أيضا عن تغير نوعية ركيزة التصدير. و كما اتضح، فمن دون Flik ستفقد القدرة كليا على تغيير و تصدير الليف و على مراقبة طور الخطاف. فبروتين Flik لديه مجالين أساسيين: مجال N-terminal و مجال C-terminal فخلال تجميع الخطاف ف FliKN يعمل كجهاز استشعار جزيئي و يرسل معلومات حول طول الخطاف و عندما يَبلُغ هذا الأخير الطول الصحيح تنقل المعلومة ل FliKC و FliKCT و هو ما يفضي إلى تغير تركيبي و هذا بدوره يؤدي إلى ارتباط FliKCT ب FlhBC، و هذا الترابط يفضي إلى تغير تركيبي في FlhBC. و هذا ما يسبب تغير في نوعية الركيزة.  



فالتجميع السوطي يبدأ في الغشاء السيتوبلازمي ثم يتقدم عبر الحيز المحيط بالغشاء الهيولي ليمتد أخيرا خارج الخلية. فالسوط يتشكل أساسا من جزأين أساسيين اثنين: نظام الإفراز و البنية المحورية. و المكونات الأساسية للبنية المحورية هي FlgG للقضيب و FlgE للخطاف و Flic لليف و كلها تتجمع بمساعدة بروتين cap (FlgJ و FlgD و FliD على التوالي). و منها كلها يبقى فقط FliD عند طرف الليف في الناتج النهائي. هناك مكونات أخرى في البنية المحورية (تسمى FlgB و FlgC و FlgF) تصل القضيب و مركب الحلقات MS. فالخطاف و الليف يتصلون عبر FlgK و FlgL. عندما تثبت الحلقة C و القضيب C في الحلقة M في سطحها السيتوبلازمي فمركب الحلقات MS –الذي يعتبر الأساس البنيوي للجهاز- يمكنه البدأ بإفراز البروتينات السوطية.

فبنية القضيب تتشكل عبر طبقة البيبتيدو غليكان، لكن نموها لا يستطيع اجتياز الحاجز الفيزيائي المقدم من طرف الغشاء الخارجي دون أدنى مساعدة. لذلك فإن مركب الحلقات يحفر حفرة في الغشاء و هكذا يستطيع الخطاف النمو بفضل تنسيق FlgD حتى يبلغ الطول المحرج 55 nm. و الركائز التي تتشكل تتحول من وضع خطاف-قضيب إلى وضع فلاجيلين، و FlgD يمكن أن يستبدل بروتينات مرتبطة بالخطاف و الليف يستمر في تشكله. فمن دون البروتين  cap Fli Dفمونومرات الفلاجلين سوف تضيع و بالتالي فإن البروتين cap يعتبر ضروريا لكي تتم العملية.

تطور السوط انطلاقا من نظام الإفراز من النمط الثالث (TTSS) لا يعمل:

يمكن أن يفكر أحد ما أن الوصف المقدم أعلاه يمكن أن يكون أكثر من كاف للضرب بعرض الحائط التفاهات التي قدمها كين ميلر (Kenneth Miller) و آخرون إلا أن الوضع يزداد سوءا أكثر للتاريخ الدارويني. لماذا التخليق الحيوي للسوط بالضبط هو هكذا انضباطا و تناسقا؟ ليس فقط لأن متطلبات الطاقة تجعل من السوط نظاما جد مكلف و لكن لأن التعبير المبكر للبروتينات السوطية ربما يؤدي إلى استجابة مناعية قوية في النظام المستضيف و هو ما لا تود البكتيريا فعله.

ما المغزى من هذا الأمر من وجهة نظر تطورية؟ حسنا، فمونومرات الفلاجلين هي إلى حد ما محرضات سيتوكين قوية. إذا ما كنت أنت عبارة عن ييرسينيا (Yersinia) فبامتلاك نظام الإفراز من النمط الثالث فآخر شيء ستفعله هو إظهار بيبتيدات الفلاجلين للبلعميات الكبيرة. فشيء كهذا فلا شك من أنه سيكون ضارا للآليات المضادة للالتهابات الموجودة في الييرسينيا.

الخاتمة:

إن الوصف الذي قدمته أعلاه لم يمس سوى سطح هذا الموضوع الرائع من تكنولوجيا النانو (للمزيد من المعلومات انظر هنا). و بهدف الإيجاز فأنا لم أناقش بعد بخصوص عملية الانجذاب الكيميائي و عنصري نقل إشارة مجموعة الدوائر الكهربائية و التحويل الدوراني و قوة البروتون التي تؤدي إلى اشتغال السوط (لتفاصيل أكثر أنظر هنا). لكن بيت القصيد هنا هو أن نظرية الداروينية الحديثة- كما تفهم عادة- لم تعطي أي تفسير بخصوص أصل هذه الآلة الدافعة و المعقدة بشكل ملحوظ. ربما كما حدث مع التفسيرات الداروينية بخصوص العين و التي في البدء تبدوا أن بإمكانها إقناع المبتدئين الغير المتعودين على روائع الكيمياء الحيوية و على الأساسات الجزيئية للرؤية. و هكذا فسرعان ما تصير هذه التفسيرات الداروينية فارغة و غير مقنعة عند الأخذ بالاعتبار التفاصيل الجزيئية للنظام.  و عندما يجمع شخص بين التفاصيل المقدمة في الأعلى و بين العجز الكلي للداروينيون الجدد عن إنتاج طيات جديدة من البروتينات و مواقع جديدة من الاتحاد البروتيني-البروتيني، حينها يظهر السؤال التالي: هل يمكن لهذا النظام أن ينسج نفسه عن طريق تغيرات طفيفة و متوالية و عبر مراحل؟ فبما أن الاقتراح الأساسي للداروينية يخدع بقدرته المزعومة على إعطاء تفسير لوفرة البراهين الدالة على التصميم. ألا تبدي الآن عجزها الواضح عن دحض مسلمة التصميم المشار إليه من قبل كمقترح علمي واقعي و محترم؟ 

دوغلاس أكس (Douglas Axe) من المعهد البيولوجي (Biologic Institute) أظهر في بحث حديث قد تم نشره في مجلة Bio-complexity أن نموذج التضاعف الجيني و التوظيف يعمل فقط عندما تتطلب تغيرات صغيرة لاكتساب فائدة أو وظيفة جديدتين قابلتين للانتقاء. إذا كان الجين المضاعف محايدا (من حيث تكلفتها بالنسبة للكائن الحي) فالعدد الأقصى للطفرات الذي يتطلبه أي تجديد داخل مجموعة من البكتيريا فهو أكثر من ستة. و إذا كان الجين المضاعف ذو تكلفة سلبية بشكل طفيف فالعدد الأقصى سيتراجع حينها إلى اثنين أو أقل (دون إدراج الضعف نفسه).

يبدو أن السوط البكتيري يعتبر –ربما بشكل مذهل- تحديا حقيقيا للتطور الدرويني مثل ما كان عليه الحال منذ 1996 عندما ذكره بيهي لأول مرة في كتابه: "الصندوق الأسود لداروين".


التعريف بالكاتب:
جوناتهان ماكلاتشي (Jonathan McLatchie) حاصل على ماجستير البحوث في البيولوجيا التطورية و النظامية في جامعة كلاسكوو Glasgow. حاليا هو محرر موقع "التطور أخبار و نظرات"

تمت الترجمة من:

http://www.evolutionnews.org/2011/03/michael_behe_hasnt_been_refute044801.html.

السبت، 15 مارس 2014

محكمة كيتزميلر: السوط البكتيري، هل تم دحضه؟ الرد على الدليل الضعيف الذي قدمه كين ميلر (الجزء الثاني). ء


السيارة كمثال توضيحي: 

بهدف فهم كيف فشل اختبار ميلر في تطبيق ما تمت صياغته من طرف بيهي بخصوص التعقيد الغير القابل للاختزال، فلنأخذ مثال محرك السيارة و الترباس. فمحرك السيارة يحتوي على عدة أصناف من الترابيس و كل ترباس يمكن اعتباره كجزء ثانوي صغير أو كنظام ثانوي في محرك السيارة. فحسب منطق ميلر، إذا كان هناك أي ترباس أساسي في محرك السيارت يقوم بوظيفة أخرى أيضا كالمقبض على سبيل المثال فهذا يدل على أن كل نظام المحرك لا يعتبر نظاما معقدا بشكل لا يقبل الاختزال. فبرهان كهذا بكل وضوح لا يمكن أن يكون سوى مجرد هراء. 

لتحديد ما إذا كان المحرك نظاما معقدا لا يقبل الاختزال فيجب التركيز على وظيفة المحرك نفسه و ليس على أجزائه الثانوية التي يمكن أن تؤدي وظائف أخرى في مكان آخر. إنه من الواضح أن الترباس خارج المحرك يمكنه القيام بدور آخر داخل السيارة إلا أن هذه الملاحظة لا تفسر كيف أن هذه المكونات ذات التعقيد العالي كالمكابس و الأسطوانات و عمود الكامات و الصمامات و عمود المرفق و شمعة الإحتراق و غطاء الموزع و الأسلاك قد استطاعت أن تتصل فيما بينها وفق التعديل المناسب بهدف صناعة محرك سيارة شغال. و حتى لو افترضنا أن هذه الأجزاء كلها قد تكون لها وظائف أخرى داخل السيارة (و هو أمر مستبعد) فكيف استطاعت أن تتركب و أن تتجمع بشكل مناسب لصناعة محرك سيارة شغال؟ فالجواب يستلزم تصميما ذكيا بكل تأكيد. 

بيهي قام بطرح أن النظام ذو التعقيد الغير القابل للاختزال يتم تحديده إذا ما توقف عن العمل حين يتم حذف جزأ من أجزائه. إنه اختبار مناسب لنظرية داروين لأنه يطرح السؤال التالي: هل هناك مستوى أدنى مطلوب من التعقيد لكي يصير النظام وظيفيا؟ بكل وضوح فمحرك السيارة يمتلك مجموعة من قطع الغيار الضرورية لاشتغاله. فقدرة ترباس المحرك على أن يعمل كمقبض أيضا فذلك لا يفند التركيبة المعقدة الغير القابلة للاختزال للأجزاء الضرورية لجعل النظام النهائي للمحرك شغال. فبيهي لم يدعي أبدا أن الأنظمة الثانوية لا يمكنها القيام بوظيفة أخرى داخل الخلية، فهو ادعى العكس من ذلك تماما. بل أكثر من ذلك فإن بيهي برهن بكل بساطة أن التطور يدَّعِي أن النظام الإجمالي يجب أن يتشكل عبر مراحل طفيفة و متوالية بحيث أن كل مرحلة تعتبر وظيفية.

قام ميلر بفهم التعقيد الغير القابل للاختزال بشكل خاطئ و اختباره يعتبر ضعيفا حتى يستطيع دحضه. فاختبار التعقيد الغير القابل للاختزال لا يسأل حول ما إذا كان بإمكان استعمال جزء صغير من النظام الإجمالي من أجل القيام بوظيفة أخرى كما ادعى ميلر بل يطرح السؤال التالي: هل يمكن للنظام بمجمله أن ينشأ عبر مراحل لا تتطلب فيها تغيرات "غير طفيفة" للحصول على الوظيفة النهائية؟ فأي تعديل "غير طفيف" في التعقيد يستلزم الإنطلاق من الأجزاء الثانوية الوظيفية التي تعمل خارج النظام النهائي نحو النظام الإجمالي النهائي و الوظيفي الذي يمثل التعقيد الغير القابل للاختزال. 


و حتى لو استطاع ميلر إظهار أن مكونا من مكونات السوط قد تواجد في أي مكان آخر في البكتيريا (و هو ما لا يحدث في الواقع- فميلر لا يمكنه سوى التحدث عن الجسم القاعدي الذي يحوي تقريبا 1/4 من بروتينات السوط) فميلر لم يعطي أي دليل معقول بخصوص تطور السوط حتى يفسر كيف استطاعت مكوناته التجمع و التكون لتشكيل سوط وظيفي. و حينها فقط يستطيع ميلر التأكيد على أن السوط البكتيري لا يعتبر معقدا بشكل لا يقبل الاختزال. 
 
خبراء آخرون يتفقون مع بيهي:

ويليام ديمبسكي William Dembski أدرك جوهر المشكل مع التعريف و التقييم الخاطئ لميلر بخصوص التعقيد الغير القابل للاختزال:

"إيجاد نظام ثانوي لنظام وظيفي يقوم بوظيفة أخرى لا يعتبر دليلا مقنعا للبرهنة على أن النظام الأصلي قد تطور من نظام آخر. فيمكن لأحد أن يقول بأن محرك الدراجة النارية يمكن استعماله كخلاطة و بالتالي فإن محرك هذه الأخيرة قد تطور إلى محرك للدراجة النارية. لعل ذلك ممكنا لكن ليس بدون تصميم ذكي. في الواقع، فإن الأنظمة الوظيفية متعددة الأجزاء و المتداخلة بإحكام تحوي بشكل ثابت تقريبا أنظمة فرعية متعددة الأجزاء و التي تقوم ببعض الأدوار الأخرى المختلفة. في أفضل الحالات فإن نظام الإفراز من النمط الثالث  TTSSيمثل مرحلة ممكنة في التطور الغير المباشر للسوط البكتيري إلا أن هذا لا يعطي حلا لمشكل هذا الأخير. فما نحتاج إليه هو مسار تطوري كامل و ليس فقط مجرد واحة ممكنة على طول الطريق. فقول عكس ذلك سيكون كالذي يدعي إمكانية السفر مشيا من لوس أنجلس إلى اليابان لأننا اكتشفنا جزر هاواي. فالبيولوجيا التطورية تحتاج لفعل شيء أحسن من ذلك." (15)  

بالرغم من أن ميلر قد شرح كيف يمكن أن يظهر بالكاد عنصر من العناصر المكونة للسوط فإن سكوت أ.مينيش و ستيفن سي ميير (Scott A.Minnich and Stephen C.Meyer) شرحوا أن مجرد توفر العناصر فذلك لا يعد كافيا لشرح تطور نظام بأكمله:

"حتى لو كانت العناصر البروتينية متوفرة بشكل ما عند تشكيل محرك السوط خلال تطور الحياة، فالعناصر بحاجة لأن تكون متشكلة وفق سلسة زمنية صحيحة كما تتشكل السيارة داخل المصنع. حتى الآن و من أجل تجميع أجزاء محرك السوط فالبكتيريا الحالية تحتاج لنظام مُحَضَّر من التعليمات الجينية بالإضافة إلى العديد من الآلات البروتينية الأخرى للقيام بتنفيذ التعليمات الخاصة بالتجميع. منطقيا فأن النظام نفسه يعتبر معقدا بشكل لا يقبل الاختزال. و على أي حال فإن برهان التكيف المسبق يقتضي حاجة عدة أمور إلى تفسير- نظام بروتيني وظيفي بشكل مستقل." (16)

على نفس المنوال، قام الفيلسوف أنجوس مينوج (Angus Menuge) بتحديد عدد من العقبات التي يجب التغلب عليها عبر تفسيرات "التكيف المسبق" و التي لم تتم الإشارة إليها من طرف ميلر خلال المحاكمة:

"لكي يظهر سوط بكتيري وظيفي عبر التكيف المسبق فقبل ذلك يجب مواجهة الشروط الخمسة التالية:

ش.1: الجاهزية. من بين العناصر الجاهزة لتشكيل السوط فسوف نحتاج إلى التي لها القدرة على القيام بوظائف جد متخصصة كالمجداف و الدوار و المحرك حتى و لو كانت لهذه العناصر وظائف أخرى أم لا.

ش.2: التزامن. جاهزية هذه العناصر يجب أن تكون متزامنة على هذا الشكل في نقطة ما بشكل انفرادي أم مجتمعة، فكلها يجب أن تكون جاهزة في نفس التوقيت.

ش.3: التموقع: كل العناصر المختارة يجب أن تتواجد في نفس "مكان البناء"، ربما ليس في نفس التوقيت و لكن بكل تأكيد عندما يتم احتياجها.

ش.4: التنسيق. يجب أن تكون العناصر متناسقة في الاتجاه الصحيح فقط: حتى ولو كانت كل عناصر السوط متوفرة في الوقت الصحيح فإنه من الواضح أن معظم طرق التجميع ستكون غير وظيفية أو دون أهمية.

ش.5: التوافق في الواجهة. فالأجزاء يجب أن تكون متوافقة فيما بينها، أي "مركبة بشكل مناسب" و قادرة على التفاعل بشكل صحيح: حتى و لو كان المجداف و الدوار و المحرك قد وضعوا سويا في الترتيب الصحيح فهم أيضا سيحتاجون إلى امتلاك واجهة صحيحة. " (17)

ويليام دمبسكي(William Dembski) أخذ نهجا مماثلا لمينوج (Menugue). فقام ديمبسكي فعلا بتجميع بعض معايير مينوج من أجل تطوير وسيلة لحساب احتمالية تشكل شيء معقد لا يمكن اختزاله. فلحساب احتمالية وجود "شيء مميز و مركب" فيجب الأخذ في الاعتبار احتمالية ظهور العناصر و احتمالية تواجدها في نفس المكان بالإضافة إلى احتمالية تكون الأجزاء فيما بينها.

الجدول 1: مقارنة للمكونات التفسيرية المطلوبة لكل من مندومبسكي و مينوج ، مبنية على أي تكيف مسبق على حساب التطور. (18)

عامل ديمبسكي
الوصف
نظيره حسب معيار مينوج
احتمالية الظهور
احتمالية ظهور العناصر المشكلة للشيء.
الشرط الأول
احتمالية التموقع
احتمالية تموقع العناصر في المكان المطلوب عند ظهورها.
الشرط الثاني و الثالث
احتمالية التشكل
احتمالية تشكل العناصر المكونة للشيء فيما بينها عند ظهورها و تموقعها في المكان المناسب.
الشرط الرابع و الخامس
                              
من الواضح أن ميلر قد وجد أن احتمالية ظهور 1/4 من بروتينات السوط قد يكون 1/1 إذا ما تواجد نظام الإفراز (TTSS) (أو ربما بنية مشابهة) قبل السوط. إلا أنه لم يشر إلى أصل بقية البروتينات الموجودة في السوط و لا حتى أشار إلى احتمالية التموقع  أو إلى احتمالية التشكل في السيناريو التطوري الذي قدمه. على ضوء معيار مينوج و ديمبسكي فمن الضروري أن نطلب من ميلر أن يجيب على الأسئلة التالية:
 
-   ما هي الوظائف التي كان يقوم بها المجداف و الدوار و المحرك خارج السوط؟ (في الحكم قام ميلر فقط بتفسير وظيفة الجسم القاعدي للسوط مشيرا إلى نظام الإفراز من النمط الثالث TTSS و لكنه ترك الأجزاء المجهزة بمعدات الحركة الأكثر تعقيدا و حيوية في السوط دون تفسير.  
-  كيف تزامنت عناصر السوط؟ (خلال المحاكمة، ميلر لم يناقش هذا الأمر أبدا)
- كيف استطاعت هذه العناصر أن تتواجد في نفس "مكان البناء"؟ (أيضا لم يتطرق ميلر إلى هذا الأمر خلال المحاكمة)
- كيف أن هذه العناصر استطاعت أن تتناسق بشكل بنيوي و أن تفاعل فيما بينها عندما تجمعت للقيام بوظيفة السوط؟ (مرة أخرى ميلر لم يتطرق لهذا الموضوع)
                  
خلال المحاكمة، ميلر لم يجب على هذه الأسئلة المهمة. و بدلا من ذلك فقد قدم دليلا ضعيفا جدا بهدف دحض التعقيد الغير القابل للاختزال و الذي عن طريقه أقنع القاضي لدرجة أنه لم يقترب كليا من الإجابة عن كيف استطاع السوط أن يتطور فعلا.

القياس النهائي: القوس.

جواب ميلر بخصوص السوط البكتيري لا يدحض تعقيده الغير القابل للاختزال لأن ميلر لم يشر إلى أي شيء بخصوص كيف استطاع النظام السوطي النهائي الظهور. حتى لو وجدت وظائف أخرى لنظام الإفراز من النمط الثالث TTSS هذا لا يعني أن النظام السوطي سوف لن يحتاج لقفزات كبيرة في التعقيد (أو باستعمال مصطلحات داروين: تغيرات غير طفيفة) من أجل إنتاج سوط وظيفي في آخر المطاف. و لاستخدام القياس النهائي لإظهار عدم صحة تفسيرات ميلر فلنأخذ مثالا لمحاولة القيام ببناء قوس معقد بشكل لا يقبل الإختزال:

الصورة "أ": هذا السوط معقد بشكل لا يمكن اختزاله، فإذا ما تم حذف قطعة
واحدة فقط منه فإن البقية سوف تسقط
(ملاحظة: لغرض التوضيح،  فأنا أجهل مؤقتا مسألة أن قوسا معقدا لا يقبل الاختزال يمكن أن يكون نتاجا لعمليات التعرية الطبيعية. فأنا أعي جيدا أن هذا القياس لا يناسب كثيرا حقل البيولوجيا و لكن ليس الهدف من هذا التوضيح دحض تلك المسألة.) 

وفقا لميلر، إذا ما استطعنا إيجاد وظيفة أخرى لعنصر ثانوي فذلك يعني أن نظام لا يعتبر معقدا بشكل لا يمكن اختزاله. حسنا، فلنقم الآن بتفكيك هذا القوس إلى قطع ثانوية.
الصورة "ب": هنا قمنا بتقسيم السوط إلى أجزاء ثانوية. بشكل مشابه، فقد وجد ميلر ظاهريا جزءا ثانويا في السوط "نظام الإفراز من النمط الثالث" و الذي بإمكانه القيام بوظيفة أخرى و نظام الإفراز من النمط الثالث لا يحوي أكثر من 1/4 من مجموع العناصر السوطية. بشكل مماثل، في هذا القوس توجد قطعة ثانوية سميت بحرف "س" و التي تشكل 1/4 من مجموع القوس و التي بإمكانها أن تقوم بوظيفة أخرى خارج القوس مثلا يمكنها البقاء واقفة هنا بنفسها. إلا أن هذا يظهر عدم صحة اختبار ميلر، فقدرة القطعة الثانوية "س" هذه على الوقوف لوحدها لا يعني ذلك على أن القوس لا يعتبر معقدا بشكل لا يقبل الإختزال و بالتالي فإذا حذفنا القطعة الثانوية "ت" الموجودة في الأعلى فإن القوس سينهار حتى و لو بقيت القطعة "س" واقفة.
الصورة "ت": حتى ولو امتلكت القطعة الثانوية "س" وظيفة أخرى خارج نطاق القوس كأن تبقى واقفة لوحدها فذلك لا يعني أن القوس لا يعتبر معقدا بشكل لا يقبل الاختزال بحيث يمكن أن يتشكل عبر عدة مراحل. و بالتالي فإن الاختبار المناسب للتعقيد الغير القابل للاختزال يكون بالسؤال حول ما إذا كان النظام بأكمله يمكن أن ينشأ مرحلة بعد أخرى من خلال تغيرات طفيفة و خفيفة. فمن المهم إدراك أن النظام لا يتحول إلى "تعقيد قابل للاختزال" فقط لأن جزءا من أجزاءه يبقى وظيفيا خارج النظام النهائي. 


الاختبار الصحيح للتعقيد الغير القابل للاختزال:

اختبار ميلر هو اختبار بسيط و سطحي و شخصي، و حتى يكون صحيحا فكان يجب صياغته على الشكل التالي:
"إن تنبؤ بيهي يرتكز على أن النظام المعقد بشكل لا يقبل الاختزال سيسير عبر عدة مراحل غير وظيفية على طول أي مسار تطوري. و بالتالي فعلينا أن نكون قادرين على أخذ السوط البكتيري على سبيل المثال و حذف جزء منه و اكتشاف أن النظام يتوقف عن العمل."

إن شهادة ميلر و استنتاج القاضي جونس (Jones) تم بناءهما على اختبار خاطئ للتعقيد الغير القابل للاختزال و الذي يركز على وظيفية الجزء الثانوي و ليس على وظيفية النظام السوطي بأكمله. إذا ما استطاع ميلر إيجاد وظائف موازية لكل النظم الثانوية للسوط سيكون قد أحرز على الأقل تقدما لتفسير تطوره لأنه بذلك سيكون قد استجاب للمعيار الأول لمينوج (Menuge) المتعلق ب "الجاهزية" (الشرط الأول).  لكن و كما تسألا مينيش (Minnich) و ميير  (Meyer):

"و البروتينات الثلاثون الأخرى الموجودة في المحرك السوطي (و التي لا توجد في نظام الإفراز من النوع الثالث TTSS) هي خاصة بالمحرك فقط و لا توجد في أنظمة كائنات أخرى. إذن: من أين تكيفت بشكل مسبق هذه العناصر البروتينية؟"

ميلر لم يجب على هذا السؤال. و كما تمت الإشارة، فكل ما استطاع ميلر أن يقدمه هو فقط TTSS كدليل على تطور السوط و أشار فقط إلى جاهزية 1/4 من المعيار الأول لمينوج متجاهلا إمكانية احتمال تطور TTSS من السوط و ليس العكس. و إذا ما استطاع ميلر الجواب على "جاهزية" (ش.1)  كل عناصر السوط ، فسوف يجب عليه بعدها إعطاء تفسير للتزامن (ش.2) و للتموقع (ش.3) و للتنسيق (ش.4) و للتوافق (ش.5) حتى يجيب عن مسألة تطور السوط و هكذا القضاء على الحاجة إلى تعديلات "غير طفيفية" على طول مساره التطوري.

لكن ميلر لم يقم بأي شيء من هذا. و بالرغم من عدم كفاية تفسيراته فإن القاضي جونس اعتبر أن أدلته و تصريحاته الغير الدقيقة بخصوص التعقيد الغير القابل للاختزال كانت صحيحة. لقد تقرر هذا مع الضرب بعرض الحائط للشهادة الموسعة التي قدمها خلال المحاكمة عالم الأحياء الدقيقة و المساند للتصميم الذكي و الخبير في السوط الدكتور سكوت مينيتش (Dr.Scott Minnich) و قد أدلى بها لإثبات التعقيد الطبيعي الغير القابل للاختزال للسوط. هذه شهادة مينيتش التي تم تجاهلها بشكل كامل من طرف القاضي خلال قضية كيتزميلر:

"أنا أعمل على السوط البكتيري لفهم وظيفته، على سبيل المثال، من خلال تعريض الخلايا على مركبات مطفرة أو على عدة وسائط لتسجيل تلك الخلايا التي ضعفت أو فقدت حركيتها. هذا هو نمطها الظاهري، فالخلايا تستطيع أو لا تستطيع السباحة. فنحن نقوم بتعريض الخلايا للطفرات: فإذا أصبنا جينا له علاقة بوظيفية السوط فإن الخلايا سوف لن تستطيع السباحة و هذا هو النمط الظاهري القابل للتسجيل الذي نستعمله. ثم تستعمل بعد ذلك الهندسة العكسية لتحديد كل هذه الجينات و نربط هذا بالكيمياء الحيوية لإعادة تركيب البنية بالأساس و لفهم ما هي وظيفة كل جزء على حدة. باختصار فإن هذه العملية هي مشابهة للتصميم الذي دفع البيولوجيا من علم وصفي بسيط إلى علم تجريبي من حيث توظيف هذه التقنيات." (20)

مينيتش شرح أنه عرض كل جينات السوط للطفرات و وجد أن السوط يفقد وظيفيته إذا ما فقد جين واحد فقط. و بالتالي فإن السوط يمتلك تعقيدا لا يقبل الاختزال في ما يخص تكامل الجينات:
"طفرة واحدة تقضي على جزء واحد فلا تستطيع الخلية السباحة. فقمت بوضع هذا الجين مرة أخرى في مكانه فتعود الحركية من جديد. أزلت جزءا و وضعت مكانه مرة أخرى نسخة جيدة من الجين و من جديد فهي تستطيع السباحة. فتعريف هذا هو أن هذا النظام معقد بشكل لا يقبل الاختزال. لقد قمنا بهذا الأمر مع كل العناصر 35 المكونة للسوط و دائما  يعطينا نفس النتيجة." (21)

و لكن للأسف فإن القاضي جونس قد قرر جهل هذه الشهادة.

الخاتمة:

مع الأخذ في الاعتبار قرارات القاضي جونس فإن الأدلة الموالية للتصميم الذكي المتعلقة بالتعقيد الغير القابل للاختزال الموجود في السوط لم يتم أبدا دحضها كما ادعى القاضي. فميلر قدم للقاضي تصوير خاطئ بخصوص التعقيد الغير القابل للاختزال و منهاج سطحي جدا لاختباره. للأسف فإن قرار القاضي الذي كرس تحريف ميلر سيترك المجتمع العلمي و الناس بشكل عام مع فكرة أن الأصل التطوري للسوط البكتيري قد يمكنه تفسيره. و بشكل لا يصدق و بالرغم من شهادة مينيتش و تقديمه لمنجزاته التجريبية فإن القاضي جونس ادعى أن "التصميم الذكي...فشل في...الاشتراك في البحث و في الإختبار." (22)  

فالقاضي تقبل أيضا ادعاء ميلر الخاطئ على أن التعقيد الغير القابل للاختزال لا يعتبر برهانا إيجابيا لدعم التصميم و لكن فقط برهانا بسيطا و سلبيا ضد التطور. ربما نمتلك نظرات مختلفة بهذا الخصوص إلا أن مينيتش و ميير قد جعلا منه مثالا إيجابيا للتصميم في السوط:

"تظهر الآلات الجزيئية توقيع أصلي أو سمة مميزة للتصميم تدعى بالتعقيد الغير القابل للاختزال. في جميع الأنظمة ذوات التعقيد الغير القابل للاختزال و التي تعرف فيها وظائف النظام من خلال التجربة أو الملاحظة فإن الهندسة أو التصميم الذكي قد لعبوا دورا أساسيا في ظهور النظام. فكوننا وجدنا أنظمة بيولوجية تقلد قدراتنا في التصميم و الهندسة فذلك يعطينا تفسيرا للسؤال حول ما إذا كانت هذه النظم هي نتاج للحظ و للحاجة الغير الموجهة من دون أي هدف. في الواقع و في أي سياق آخر سوف نعترف على الفور بأن تلك النظم هي نتاج لهندسة ذكية. بالرغم من أن البعض سيقول بأن هذا دليل بسيط مبني على الجهل، إلا أننا نعتبر ذلك كاستنتاج لأفضل تفسير بما أننا نعرف أن الظواهر الذكية هي مناقضة تماما للأسباب الطبيعية أو المادية." (23)

و في الأخير فإن قرار القاضي جونس حول أصل السوط البكتيري يجب تجاهله لأنه مثال للسياسة الحزبية و ليس للتحليل العلمي الدقيق و الموضوعي.

أخص بالشكر أليكس بينز (Alex Binz) و دافيد كلينغوفر (David Linghoffer) و كيميائي حيوي مجهول من جامعة كاليفورنيا لمساعدتهم لي في إنجاز هذا المقال. كل الأخطاء الموجودة تنتسب لي.


التعريف بالكاتب:

كاسي لاسكين (Casey Luskin). محام، درس الماجيستير في العلوم و القانون. نال  B.Sو  M.Sفي علوم الأرض بجامعة كاليفورنيا بسان دييغو. يعمل في معهد ديسكافري كمنسق لمركز العلوم و الثقافة. كان قد قام من قبل ببحث جيولوجي في مؤسسة Scripps Institution for Oceanograpgy (1997-2002)

تمت الترجمة من:

المراجع:

(15) William A. Dembski, Rebuttal to Reports by Opposing ExpertWitnesses,en http://www.designinference.com/documents/2005.09.Expert_Rebuttal_Dembski.pdf.

(16) Scott A. Minnich y Stephen C. Meyer, Genetic Analysis of coordinate flagellar and type III regulatory circuits in pathogenic bacteria, pg. 8,en http://www.discovery.org/scripts/viewDB/filesDB-download.php?id=389

(17) Angus Menuge, Agents Under Fire: Materialism and the Rationality of Science, pgs. 104-105 (Rowman & Littlefield, 2004).

(18) William A. Dembski, No Free Lunch: Why Specified Complexity Cannot be Purchased Without Intelligence, pg. 291 (Rowman & Littlefield, 2002).

(19) Scott A. Minnich y Stephen C. Meyer, Genetic Analysis of coordinate flagellar and type III regulatory circuits in pathogenic bacteria, pg. 8, at http://www.discovery.org/scripts/viewDB/filesDB-download.php?id=389

(20) شهادة سكوت مينيتش، اليوم 20، الفترة المسائية، ص. 105..

(21) شهادة سكوت مينيتش، اليوم 20، الفترة المسائية، ص. 107-108..

(22) قرار كيتزميلر ص.89..

(23) Scott A. Minnich y Stephen C. Meyer, Genetic Analysis of coordinate flagellar and type III regulatory circuits in pathogenic bacteria, pg. 8-9at http://www.discovery.org/scripts/viewDB/filesDB download.php?id=389