الجمعة، 30 مايو 2014

الجمال "الإلهي" و الموحي لعملية التركيب السوطي. - جوناتهان ماكلاتشي

جوناتهان ماكلاتيتشي: Jonathan McLatichi

منذ عدة أشهر، كنت قد نشرت مقالا في هذا الموقع تحدثت فيه عن التعقيد الخلاب و عن جاذبية عملية تشكل السوط. فحتى هذه اللحظة، فقد أعجبت بهذا الشريط الذي يتحدث عن هذا الموضوع. فبالرغم من أنه بالكاد يتناول الأمور السطحية في هذه العملية المتشابكة إلا أنه يقدم فكرة عن كيفية حدوث ذلك التخليق الحيوي و المعقد للسوط:  

و من بين المصادر المفضلة لدي و التي عادة ما أعود إليها عند دراسة هذا الموضوع كتاب: "الشعيرات و السياط: الأبحاث الحالية و الاتجاهات المستقبلية" Pili and Flagella: Current Research and Future Trends الذي نشره كين جيرل (Ken Jarrel). و أهم فصل في الكتاب قد ساهم فيه شي إيشي إيزاوا (Shin-Ichi Aizawa) و عنوانه: "ما هو الأساس في التخليق الحيوي للسوط؟ ".

في الصفحة 91،  عرض إيزاوا واحدا من أهم المقاطع دلالة في الكتاب:  

"بما أن السوط مصمم بشكل صحيح و مشكل بشكل جميل عبر سلسلة تجميع مرتبة، و حتى أنا، الذي لا أؤمن بالخلق، فإنه ينتابني شعور رائع أمام هذا الجمال "الإلهي" (Pallen and Matzke, 2006) إذا ما كان السوط قد تطور انطلاقا من شكل بدائي فأين هي بقايا أسلافه؟ لماذا لا نلاحظ أي أشكال وسيطة للسياط الموجودة الآن؟ كيف يمكن أن يكون قد تطور السوط دون أن يترك آثارا في التاريخ؟". 

و قد أتم فكرته في الصفحات القليلة (95-96) التي تلت قوله:

"جميع الجينات السوطية يبدو أنها قد تطورت تحت ضغوط إنتقائية جد عالية للحصول على الفعالية في التجميع. و بعد كل شيء، فإن كل ما يسمح للبكتيريا بتشكيل سوطها و بالتنقل اتجاه غذائها يمر عبر حمضها النووي. فالسياط هي عبارة عن نانوآلات مدفوعة عبر بروتونات تعمل ب 100% من الفعالية و طرق التجميع قد تم تحديثها عبر التطور بهدف تقليل فترة عملية التجميع. فالسوط قد اكتسب جماليته عبر التطور، متحولا بذلك إلى آلة فعالة و معقدة".

و من المتفق عليه إلى حد كبير أن مثل هذه الأعجوبة الهندسية تعطي مظهرا أخاذا على أنها قد صممت. و فعلا، فقد قامت البيولوجية كاثرين إيبلكيت  (Kathryn Appelgate) التي تعمل على الدراسة الحاسوبية للخلية (و هي ذات توجه دارويني و تنشر مقالاتها بكثرة في موقع "البيولوجيون" Biologos) بكتابة بحث العام الماضي تحت عنوان: "السوط البكتيري: قد تكون المظاهر خداعة". و أشارت إلى ما يلي:

"التشابه هو جد أخاذ، و نجد أنه من الصعوبة مقاومة هذه المماثلة لكيفية تشكل السوط. فنحن نعلم أن جميع المحركات الخارجية قد تم تصميمها من طرف مهندسين أذكياء، و جميع الأجزاء قد صنعت بإتقان حتى تعمل جميعا من أجل الغرض المقصود. و السوط البكتيري أيضا يملك مكونات متطابقة بشكل صحيح و كلها تؤدي نفس الوظيفة كأي محرك خارجي- بحيث تمكن من التحرك في وسط سائل. و بما أن السوط لم يتم تصميمه من طرف مهندسين بشر، فإنه يبدو من المعقول أن نستنتج فقط أنه صمم من قبل كيان آخر."

و بالتأكيد فإن إيبلكيت قد مضت في تأكيدها (بشكل غير مقنع) على أن السوط لم يصمم بشكل ذكي. إلا أنها طرحت سؤالا مشروعا بخصوص كيفية ظهوره: هل هذا النظام هو بالفعل مصمم؟ أم أن تصميمه مجرد ظاهري؟ حسنا، بما أننا جميعا متفقين –أو على الأقل معظمنا- على أن السوط يبدو كما لو أنه نظام مصمم فإنه سيكون من غير الحكمة استبعاد هذا الإقتراح مسبقا. فعند إغلاق الباب أمام جواب ممكن فإننا نحصر أنفسنا أمام مجموعة من الخيارات الزائفة.

فبما أن جميع "التفاسير" الطبيعية التي تم إعطاءها حول هذا النظام قد أبانت عن فشلها، و بما أننا نمتلك دافعا إيجابيا (على سبيل المثال، تجاربنا المتكررة مع قانون السببية) للاعتقاد على أن هذا النظام هو فعلا نتاج لسببية ذكية، فإنني لا أرى أي مشكل في أن يتم الاعتراف بفكرة استنتاج التصميم كوجهة نظر علمية مقبولة.

يعتبر السوط -من طرف العديد من العلماء- نظاما لا يقبل الاختزال، و ذلك يعني أنه يستلزم تواجد جميع أجزاءه بهدف الإبقاء على فائدته الوظيفية. على سبيل المثال، فمن دون البروتين المسمى FliK فستفقد على حد سواء القدرة على التعديل و خيوط التصدير و القدرة على تعديل طول الكلاب. كذلك الأمر عند غياب بروتين  capالمعروف ب FliD فإن مونمرات الفلاجيلين سيتم فقدانها من الخلية.

فأمام غياب أي دليل يظهر أن عملية جد معقدة كالتخليق الحيوي للسوط البكتيري يمكن أن تكون نتاجا لآليتي الطفرات و الانتخاب الطبيعي، فكيف يمكننا أن نكون متيقنين على أنه قد تطور عن طريقهما؟ إذا كان السوط قد ترك لنا مظهرا مثيرا للاهتمام على أنه قد تم تصميمه من طرف كيان ذكي، أليس لدينا ما يبرر استنتاجنا إلى حين تقديم أي تفسير أكثر إقناع (يفسر المعطيات بشكل أفضل)؟    
       

 صاحب المقال: جوناتهان ماكلاتييشي (Jonathan McLatchie) حاصل على ماجستير البحوث في البيولوجيا التطورية و النظامية في جامعة كلاسكوو Glasgow. حاليا هو محرر موقع "التطور أخبار و نظرات"
        
تمت الترجمة من موقع:

الأربعاء، 28 مايو 2014

هل التصميم الذكي قابل للدحض؟ - مايكل بيهي.

مايكل بيهي (Michael Behe)

بعض منتقدي كتاب "الصندوق الأسود لدارون" (لكاتبه مايكل بيهي 1996) قاموا بطرح عدة اعتراضات فلسفية ضد التصميم الذكي. سوف أناقش هنا بعض هذه الإعتراضات خلال الأسطر القليلة القادمة بدءا بمسألة قابلية الدحض. فعندما نقول أنه قابل للدحض أم لا فأولا يجب علينا أن نكون متيقنين بخصوص ما يعنيه "التصميم الذكي". فمن خلال الجملة فقط ربما يأولها أحدهم على أن قوات الطبيعة هي نفسها مصممة لإنتاج الحياة و النظم المعقدة التي بمقدورهم دراستها. بالفعل، فإن موقفا كهذا قد تبناه الفيزيائي باول ديفس (Paul Davies) و العالم الجيني مايكل دينتون (Michael Denton) في كتبهم الأخيرة "المعجزة الخامسة: البحث عن أصل و معنى الحياة" (The fifth Miracle: The search for the Origin and Meaning of Life (Davies 1999)) و "مصير الطبيعة" (Nature`s Destiny: How the Laws of Biology Reveal Porpouse in the Universe (Denton 1998)). و يبدو أن هذا الموقف أيضا يدرج في لائحته الأكاديمية الوطنية للعلوم (National Academy of Science):

"العديد من الأشخاص المتدينين و من ضمنهم عدة علماء يؤكدون فكرة أن الله خلق الكون و العمليات المختلفة التي تؤدي إلى التطور الفيزيائي و البيولوجي و أن هذه العمليات قد أدت فيما بعد إلى تشكل المجرات و النظام الشمسي و الحياة على الأرض. هذا المعتقد الذي يسمى في بعض الأحيان ب "التطور الديني"، لا يتعارض مع التفسيرات العلمية للتطور. فهو يعكس فعلا الطبيعة المتميزة و الموحية للفضاء الفيزيائي المدروس و المبين من طرف العلم". (الأكاديمية الوطنية للعلوم (National Academy of Science))

فتحت هذه النظرة و حتى لو قمنا بملاحظة النظم الجديدة المعقدة التي أنتجت عن طريق الضغط الانتقائي في الحقل أو داخل المختبر، فالتصميم سوف لن يتم دحضه لأنه مدرج ضمن قوانين الطبيعة. من دون زيادة أي تعليق حول قيمة هذا الموقف، فقط اسمحوا لي بأن أقول لكم أن هذا ليس هو المعنى الذي أطلقته على الجملة. فعندما أقول"التصميم الذكي" فأنا أقصد تصميما مرتبطا بما هو فوق القوانين الطبيعية و ذلك باتخاذ هذه القوانين كما قدمت و التساؤل ما إذا كانت هناك أسباب أخرى حتى يتسنى لنا استنتاج ما إذا كانت الحياة و النظم التي تشكلها قد نظمت و رتبت عن قصد. سواء في كتابي أو في هذا الاختبار فإنني كلما أشرت إلى التصميم الذكي فأنى أشير له بالمعنى القاطع للتصميم بعيدا عن القوانين. افتراضيا، فجميع المنتقدين الأكاديميين لكتابي قد أخذوا الجملة وفق المعنى الصارم الذي كنت قد منحته لها.  

وفق هذا المعنى الموضوعي فالتصميم الذكي لم يتم قبوله من طرف الأكاديمية الوطنية (National Academy) و ذلك لسبب محدد:      
"التصميم الذكي...ليس بعلم بسبب أنه غير قابل للقياس عبر المناهج العلمية". (National Academy of Science, 1999, p. 25)

خلال المراجعة التي قام بها جيري كوين (Jerry Coyn)، و هو أستاذ للبيولوجيا التطورية في جامعة شيكاغو، لكتاب الصندوق الأسود لدارون لمجلة الطبيعة "Nature" يفسر لماذا هو أيضا يعتبر أن التصميم الذكي لا يقبل الدحض:

"إذا وافق أحدهم على فكرة بيهي بأن التطور و الخلق يمكنهما العمل سويا و أن غايات المصمم غير قابلة للإدراك، عندها من الممكن أن نجد أنفسنا أمام نظرية محكمة السد. يمكنني تصور دليل يجعل من التطور أمرا قابلا للدحض (كمستحاثة القردة العليا خلال حقبة ما قبل الكامبري)، إلا أنني لا يمكنني تصور أي دليل يمكنه أن يجعل من نظرية بيهي المعقدة نظرية قابلة للدحض. حتى و لو استطعنا بعد جهد كبير تفسير تطور مسار بيوكيميائي معقد، فبيهي سيدعي بكل بساطة على أن دليل التصميم يكمن في المسارات الأخرى الغير القابلة للتفسير. بما أننا لن نستطيع أبدا تفسير أي شيء، فدائما سيكون هناك دليل على التصميم. إن نظرية الخلق الرجعية هذه قد تبدو ذكية إلا أنها ليست بعلم"

مع ذلك، فإن استنتاج كوين (Coyne) على أن التصميم لا يقبل الدحض يبدو أنه يتعارض مع براهين أخرى لمنتقدين آخرين لكتابي. بكل وضوح، فروسل دوليتل (Russell Doolittle) (1997) و كينيذ ميلر (Kenneth Miller) (1990) و آخرون قاموا بطرح أدلة علمية متقدمة محاولين بذلك دحض التصميم الذكي. (اقرأ مقالاتي بخصوص التخثر الدموي و الاختبار الحمضي على هذا الموقع الإلكتروني). إذا كانت النتائج مع الفئران (Bugge, et al) قد كانت كما كان يتمناها دوليتل في البداية أو إذا ما كان عمل بيري هول (Barry Hall) (1999) قد أظهر فعلا ما أشار إليه ميلر، إذن فإنهم سيعتقدون فعلا على أن أن إدعاءاتي بخصوص التعقيد الغير القابل للاختزال قد تلقت ضربة قوية. و بما أن طرحي بخصوص التصميم الذكي يستلزم أن أي عملية غير ذكية هي غير كافية لإنتاج نظم معقدة تعقيدا لا يقبل الاختزال فبالتالي فإن معقولية التصميم الذكي ستعاني بشكل كبير. علماء آخرون و حتى أولئك الذين ينتمون للجنة التوجيهية للعلم و الخلق في الأكاديمية الوطنية للعلوم  (National Academy of Science´s Steering Committe on Science and Creationism,) في تعليقات لهم حول كتابي قد أشاروا إلى دليل فيزيائي (كالبنية المتشابهة لخضاب الدم و المايوجلوبين) الذي على أساسه ظنوا أنه يبرهن على أن النظم البيوكيميائية المعقدة تعقيدا لا يقبل الاختزال يمكن انتاجها عن طريق الانتقاء الطبيعي: 
   
"مع ذلك، فالبنيات و العمليات التي تمتاز على أنها معقدة "بشكل لا يقبل الاختزال" هي في الأصل ليست كذلك عندما نفحصها بشكل مدقق". (الأكاديمية الوطنية للعلوم، 1999، ص.22)

حسنا، فلا يمكن لأحد أن يتواجد في كلا الجانبين في آن واحد، فمن غير الممكن إدعاء أن التصميم الذكي غير قابل للدحض و في نفس الوقت القول بوجود براهين تفنده. يا إما أنه غير قابل للدحض و يطير بهدوء في الهواء الطلق دون أن تشوبه الإنتقادات التجريبية، و إما يمكن انتقاده على أساس ملاحظاتنا نحن و بالتالي فهو قابل للاختبار. فمسألة تقديم المنتقدين لأدلة ضد التصميم الذكي (سواء أ كانت صحيحة أم لا) فذلك يعتبر كافيا لإظهار أن التصميم الذكي يعتبر بالفعل قابل للدحض.

في الواقع، فإن أدلتي حول التصميم الذكي مفتوحة في وجه الانتقادات التجريبية. و لدي هنا فكرة تجربة بهدف إيضاح هذه المسألة. في كتاب الصندوق الأسود لدارون كنت قد أكدت أن السوط البكتيري يعتبر بنية غير قابلة للاختزال و بالتالي فهو يحوي تصميما معدا بشكل ذكي. فالنقطة الأهم هنا هو أن السوط لا يمكن إنتاجه عن طريق آلية الانتخاب الطبيعي التي تعمل على طفرات عشوائية أو على أي عمليات أخرى غير ذكية. فبهدف دحض هذا الطرح فيجب على العلماء التوجه إلى المختبر و وضع عدة أنواع من البكتيريا التي لا تمتلك السوط تحت الضغط الانتقائي (الذي يدفعهم إلى الحركة) و تكرار ذلك خلال عشرة آلاف جيل و ملاحظة ما إذا تم ظهور أي سوط أو أي نظام معقد مشابه. إذا ما حدث هذا الأمر فإن الطرح الذي قدمته سوف ينهار تماما. [لمن لديه شكوك بخصوص مصداقية التجربة فليقرأ المرجع رقم (1)]

و ماذا بخصوص ما أشار إليه كوين (Coyne) بكون أنه ما إذا تم إظهار أن نظاما ما يمكن أن يكون نتاجا للانتخاب الطبيعي فإن أنصار التصميم الذكي سيقولون بوجود أنظمة أخرى قد تم تصميمها؟ فأنا أظن أن قوة هذا الاعتراض هي جد ضعيفة. فإذا ما تم إظهار أن الانتخاب الطبيعي قادر على إنتاج نظم بتلك الدرجة من التعقيد، حينها سيكون الافتراض على أنه كان ممكنا إنتاج نظام ذو تعقيد مشابه أو أقل. إذا ما أظهر كوين أن السوط (الذي يتطلب تقريبا أربعين منتوج جيني) يمكن إنتاجه عبر الانتخاب الطبيعي، فسيكون من الأبله القول بأن نظام التخثر الدموي (الذي يتكون من 20 بروتين) يحتاج لتصميم ذكي.

سأضع نفسي في الجهة الأخرى من الطاولة و أسأل: كيف يمكن دحض مسألة أن السوط البكتيري قد تم إنتاجه عبر عملية تطورية؟ (إن مثال كوين بخصوص مستحاثة القردة العليا في عصر ما قبل الكامبري غير مجدي على الإطلاق لأنني أناقش مسألة الانتخاب الطبيعي و ليس الجد المشترك. فأنا لا أتطلع أكثر لإيجاد مستحاثة للقردة العليا خارج التسلسل). إذا ما توجه عالم ما إلى المختبر و نمت عدة أنواع من البكتيريا بدون سوط تحت الضغط الانتقائي خلال عدة أجيال و لم يقع أي شيء يذكر، فهل سيقتنع الداروينيون حينها على أن الانتخاب الطبيعي غير قادر على إنتاج السوط؟ فأنا أشك في ذلك، دائما يمكن القول بأن الضغط الانتقائي لم يكن الآلية الصحيحة، أو أنه تم الاعتماد على أنواع خاطئة من البكتيريا أو أي شيء آخر. و حتى لو تكررت التجربة عدة مرات و في ظروف مختلفة و أعطت نتائج سلبية فأنا أضن أن العديد منهم سوف لن يعترفوا بأن برهانهم حول التطور الدارويني قد تم دحضه.

كوين (Coyne) نفسه يكتب ما يلي بخصوص النظم البيوكيميائية المعقدة:

"يمكن أن نكون غير قادرين دائما على تحديد المسارات البيوكيميائية البدائية. إلا أنه، ليس من المجدي القول بعدم حدوث تلك المسارات إذا كان الشخص غير قادر على تخيلها".  (كوين 1996)

إذا ما قبل شخص ما عمليات تطورية ليس فقط غير قابلة للملاحظة و لكن أيضا غير قابلة للتحديد، فسيكون من المستحيل فعلا أن نجعله يفكر على أنه مخطئ.

كينيذ ميلر (Kenneth Miller) قام بنشر "اختبار حمضي" لقياس مهارة الانتخاب الطبيعي لإنتاج نظم معقدة بشكل لا يقبل الاختزال. و ادعى حينها أن الاختبار قد تم تجاوزه و أن التصميم الذكي قد تم دحضه (Kenneth Miller 1999, Behe us Wrong. P.147) و ماذا لو-كما يبدو لي أنا- أن نظام اللاكتوز للإشريكية  القولونية (المعروفة اختصارا ب E.Coli) لم يتجاوز "الاختبار الحمضي" فهل سيعتبر حينها ميلر أن الداروينية قد تم دحضها؟ لا أظن ذلك. فهو بكل تأكيد سيقول بأن التجربة قد اعتمدت على أنواع خاطئة من البكتيريا و بأنه تم استعمال ضغط انتقائي خاطئ و هلم جرى. على هذا المنوال يتضح لنا أن هذا "الاختبار الحمضي" ليس اختبارا للداروينية و إنما هو اختبار للتصميم الذكي فقط. و نفس طريقة الاختبار كانت قد استعملت من طرف راسل دوليتل (Russel Doolittle) الذي أشار إلى أن نتائج باك (Bugge) و آخرون (1996) هي براهين ضد التصميم الذكي. لكن لما كانت النتائج معارضة لما كان يعتقد في الأصل أنه سيحصل عليها فإن الدكتور دوليتل لم يترك الإعتقاد بالداروينية.  

ربما على عكس حدس البعض، يبدو أن هذا التصميم الذكي معرض للغاية للدحض، على الأقل في النقط المعروضة للنقاش. فالداروينية، من جانب آخر، يبدو أنها مقفولة أمام أي قابلية للدحض. و هذا يلاحظ بشكل جلي عندما نتفحص الحجج الأساسية لفكرتين بخصوص نظام بيوكيميائي بالأساس كالسوط البكتيري. فادعاء التصميم الذكي هو أن "ليس هناك أي عملية غير ذكية قادرة على إنتاج هذا النظام"، بينما يقوم التطور على أن "عملية غير ذكية (تشمل الانتخاب الطبيعي و الطفرات العشوائية) يمكنها إنتاج هذا النظام". فلدحض الادعاء الأول فيجب البرهنة على الأقل على أن عملية غير ذكية قد استطاعت إنتاج هذا النظام. و من أجل دحض الادعاء الثاني فيجب البرهنة على أن النظام لا يمكن تشكيله عبر أي عملية من بين عدد لا متناهي من العمليات الغير الذكية، و الذي يعتبر بالفعل أمرا يستحيل القيام به.

أظن أن الأستاذ كوين و الأكاديمية الوطنية للعلوم يطرحون الأشياء على عكسها. فمسألة قابلية الدحض تعتبر من بين النقط القوية للتصميم الذكي. (فعلا، فإن بعض المنتقدين المتدينين لا تعجبهم نظرية التصميم الذكي لأنه يزعجهم أن تكون قابلة للدحض, و بالتالي فإن تصورهم الاهوتي يبدو أنه قد عان من ضربة أخرى قوية على يد العلم. انظر على سبيل المثال Filestra 1998). و نقطة ضعف نظرية التطور تكمن في مقاومتها لأن تكون قابلة للدحض. فأي برهان تجريبي يجب الإدلاء به حتى يصير الإدعاء على أن الآلات الجزيئية المعقدة قد تطورت عبر الآليات التطورية قابلا للدحض؟


تمت الترجمة من:
الرد على الاعتراضات الفلسفية للتصميم الذكي:
http://www.discovery.org/a/445


التعريف بالكاتب:
مايكل بيهي (Michael Behe) حاصل على الدكتورة في الكيمياء الحيوية من جامعة بينسيلفانيا سنة 1987. حاليا فهو يعمل كأستاذ بجامعة لاي (Leigh) و هو باحث في معهد ديسكافري (Discovery). هو واحد من أهم المنظرين للتصميم الذكي و كتب عدة كتب حول هذا الموضوع. فكتابه: "الصندوق الأسود لداروين: البيولوجيا الكيميائية تتحدى التطور" قد إختير من طرف مجلة National Review و World من بين 100 كتاب الأكثر أهمية خلال القرن 20.


المراجع: 

1-  كينيذ ميلر(Kenneth Miller) كان قد ترك قراء الكشف عن إله التطور (Finding Darwin´s God) مع فكرة أن عملية كهذه يمكن أن تحدث بشكل سهل جدا. فقد كتب: "إذا كان التطور المصغر يمكنه إعادة تصميم الجين في أقل من مائتي جيل (و ذلك لا يحتاج سوى ل 13 يوما)، فما هي المبادئ في الكيمياء الحيوية أو البيولوجيا الجزيئية القادرة على تجنب إعادة تصميم عشرات أو مئات الجينات خلال أسابيع أو أشهر قليلة لإنتاج أنواع جديدة؟ فلا وجود لتلك المبادئ بكل تأكيد...". (ميلر 1999/ ص. 108). حسنا، إذن لماذا لم يأخذ هو الأنواع البكتيرية المناسبة، و يجردها من الجينات المسؤولة عن تركيب سياطها و يضعها تحت الضغط الانتقائي (الذي يدفعها للحركة) ليحصل في الأخير و بشكل تجريبي على السوط أو على أي نظام ذو تعقيد مماثل؟ (فالسوط يمتلك بين 30 و 40 جين و ليس مئات الجينات التي قال عنها ميلر أن إعادة تصميمها يعتبر أمرا سهلا للانتخاب الطبيعي). إذا ما قام هو بذلك، فإن ادعاءاتي سيتم دحضها بشكل كامل. إلا أنه سوف لن يحاول القيام بذلك لأنه يضخم بشكل كبير احتمالية النجاح.      

الأربعاء، 14 مايو 2014

التصميم الذكي لا يعني التصميم الخارق. -ويليام دومبسكي

إن كلمة "ذكي" تحمل معنيين اثنين: يمكن أن تشير لأي نشاط يقوم به أي عنصر ذكي حتى ولو قام بذلك بشكل بليد، و من جانب آخر يمكنه أن يشير إلى أي عنصر ذكي يعمل بمهارة و إتقان. فتجاهل هذا التعريف فهو الذي يؤدي إلى الغموض بخصوص التصميم الذكي و هذا الغموض قد تبعني حتى في بيتي خلال مقابلة إذاعية حيث استجوبني الشكوكي ميشيل شيرمر (Michael Shermer) و عالم المستحاثات دونالد بروتيرو (Donald Prothero) عبر إذاعة National Public Radio. و عند تقدم النقاش أدهشني المعنى الذي أعطوه ل "التصميم الذكي" و الذي يختلف كثيرا عن المعنى الذي أعطاه مجتمع التصميم الذكي.

فكل من شيرمر و بروتيرو أساءا فهم كلمة "ذكي" المتعلقة بالتصميم الذكي بمنحها معنى للتصميم الحكبم و الخارق و بالتالي فهم افترضوا أن التصميم الذكي يعني التصميم الخارق. من جهة أخرى فمجتمع التصميم الذكي يقول أن التصميم الذكي يشير بكل بساطة إلى وجود تدخل ذكي (دون الخوض في مهارة و إتقان هذا التدخل) و بالتالي فهو يميز بين التصميم الذكي و التصميم الخارق.

حسنا، ما الغاية من وجود صفة "ذكي" دائما أمام كلمة "التصميم"؟ أليست فكرة التدخل الذكي مدرجة ضمنا في مفهوم التصميم جاعلة منهما مفهومين زائدين؟ في هذه الحالة ليست هناك أي زيادة لأنه يجب تمييز التصميم الذكي عن التصميم الظاهر من جهة و عن التصميم الخارق من جهة أخرى. ففكرة التصميم الذكي تؤكد مسألة أن التصميم يرجع لذكاء واقعي و حقيقي هذا كما يترك الباب مفتوحا لصفات و خصائص هذا الذكاء.

بخلاف ذلك، فالتصميم الظاهر يؤكد أن التصميم ليس واقعيا، فعلى سبيل المثال، فريتشارد داوكنز يبدأ كتابه The Blid Watchmaker (صانع الساعات الأعمى) بالقول: "البيولوجيا هي دراسة الأشياء المعقدة و التي تبدوا كما لو أنها صممت من أجل غاية." فكان بحاجة بعدها لأكثر من 300 صفحة إضافية للبرهنة على أن هذا التصميم هو فقط ظاهري و ليس حقيقي. فالتصميم الظاهري يعتبر بالتالي إنكارا للتصميم الذكي.

فالعديد من البيولوجيون يتركون جانبا التصميم الذكي و الأدلة المدعمة له بالتحدث عن التصميم الظاهري و التصميم الأمثل. فمن أجل البرهنة حول التصميم الظاهري فهم يلجأون إلى الداروينية الخالصة و بدون مساعدة. و للبرهنة ضد التصميم الذكي فهم يطلقون أدلة ك "رجل القش" بخصوص المصمم بربط التصميم الذكي بالتصميم الأمثل. و بهدف ترك التصميم الذكي دائما أقل قبولا بين الناس ما أمكن فهم يعرفون التصميم الذكي كما لو أنه تصميم مثالي، الأفضل أمام كل المعايير الممكنة لتحديد الأفضلية (بتعبير آخر، إذا كان الشيء ذو جودة أقل فسوف لن يكون مصدره مصمم ذكي). كما هو الحال مع التصاميم الحالية التي دائما ما تدرج المسؤولية و الالتزام فتلك التصاميم المثالية كما يجب لا يمكن أن تكون موجودة فقط في مكان مثالي (يسمى في بعض الأحيان ب "السماء البلاتونية") بعيدا جدا عن التصاميم الحقيقية الموجودة في عالمنا. فبخلاف التصميم الذكي، فالتصميم الظاهري و التصميم المثالي يجردان التصميم من معناه التطبيقي.

عند استيعاب أن كل تصميم بيولوجي أنه ظاهري أو رائع فذلك يبعد المسألة المحورية التي يجب الإجابة عنها أي إذا ما كان هناك فعلا تصميما في الأنظمة البيولوجية دون الخوض في الصفات الإضافية التي تمتلكها (كمستوى الأفضلية). فالسيارات التي تصنع في أمكان التجميع في ديترويت (Detroit) فهي مصممة بشكل ذكي بمعنى أن هناك ذكاء إنساني وراء تلك العملية. و مع ذلك، فحتى لو فكرنا أن ديترويت تنتج أفضل السيارات في العالم فسنكون على خطأ إذا ما قلنا على أنها مصممة بشكل خارق. و حتى القول على أنها مصممة بشكل ظاهري سوف لن يكون صحيحا. هل هناك أي سبب عقلي على الأقل يفرض على منظرين التصميم الذكي البرهنة على وجود تصميم خارق في الطبيعة؟ فالذين ينتقدون التصميم الذكي (كستيفن جاي غولد (Stephen Jay Gould) مثلا) يزعمون بشكل متكرر أن أي مصمم كوني ذو قصد فيجب عليه أن يصمم الأحياء فقط بشكل رائع. إلا أن هذا إدعاء لاهوتي أكثر مما هو علمي. 

بالرغم من أن نسب التصميم الذكي للصناعات البشرية يعتبر أمرا أقل جدلا إلا أنه سرعان ما تثار الضجة عندما يتم الحديث عن التصميم الذكي في الأنظمة البيولوجية. ففي ميدان البيولوجيا فالتصميم الذكي يؤكد على أن ذكاءا مصمما هو من قام بهندسة البنيات البيولوجية الغنية بالمعلومات و المعقدة في الكائنات الحية، و في نفس الوقت فهو يرفض الخوض في طبيعة هذا الذكاء المصمم. بينما يقوم التصميم الرائع على شرط وجود مصمم يعمل بإتقان كبير يقوم بكل شيء دائما بشكل صحيح، فالتصميم الذكي يتماشى مع تجاربنا العادية في التصميم المشروط بحاجيات الوضعية و هو يتطلب تفاوضا و مسؤولية و بالتالي فهو دائما ما يأتي أسفل التصميم الأفضل و المثالي.  

فأي مصمم غير واقعي فهو يحاول بلوغ الدقة بمعنى بلوغ التصميم الرائع. إلا أنه لا يوجد هناك أي شيء يمكن اعتباره كتصميم خارق. فالمصممون الواقعيون يحاولون جاهدا بلوغ الأفضلية الأدنى و التي تعتبر أمرا مغايرا. و كما يشير إلى ذلك المهندس و عالم التاريخ من جامعة Duke هنري بيتروسكي (Henry Peroski) في Invention by Design: "كل تصميم يستلزم أهدافا متنازعة و بالتالي فهو يتطلب إلتزاما و أفضل التصاميم تكون دائما هي تلك التي تبدأ بأحسن إلتزام". فالأفضلية الأدنى هي فن الالتزام وسط أهداف متنازعة و على هذا الأساس يبنى التصميم كليا. فإيجاد أخطاء أو عيوب في الأنظمة البيولوجية فقط بسبب عدم إتمامه للنموذج الأفضل يعتبر بكل بساطة أمرا سهلا جدا، و هذا هو الأمر الذي يلجأ إليه غولد (Gould) عادة. فلا يحق لهذا الأخير القول بإذا ما كان المصمم قد طرح التزاما معيبا بخصوص الأهداف، لأنه (غولد) يجهل أهداف المصمم.

إلا أن فكرة أن التصميم الذكي يعتبر ذو أفضلية ثانوية كانت قد عرفت قبولا واسعا عند إنهاء النقاش بخصوص التصميم. و الغريب في هذا هو أن هذا النجاح لم يصدر من تحليل أي بنية بيولوجية معينة و لا من أي إثبات بعد ذلك بخصوص كيف أن الأفضلية الأدنى لهذه البنية استطاعت أن تتحسن. فذلك سيشكل تحليل علمي صحيح كما أن أفضل الاقتراحات يمكن تطبيقها بشكل محدد من دون أن تفسد التنفيذ المرغوب فيه للنظام. يمكن لأحد أن يتصور إتقانا معينا إلا أنه ليس لديه أي فكرة عن ما إذا كان بالإمكان إنجازه أو أن ذلك التحسين سوف لن يتسبب في أي قصور في جهة أخرى.

في محاضراتي العامة كنت قد سألت حول التصميم المفترض ذو الأفضلية الثانوية عند الكائن البشري. و من بين الأمور التي يتهم فيها مصمم الجسد البشري بسوء التصميم نجد: التقاء الحنجرة و المريء في الحلق و هو ما يمكن أن يؤدي إلى صعوبة التنفس عند اعتراض شيء في الحلق. التصميم المعيب للظهر و الذي يتسبب على الأمد البعيد في آلام في الظهر كما يتسبب أيضا في فقدان الحركة في بعض حالات الحوادث. التصميم السيئ لحوض النساء و الذي يؤدي كنتيجة لذلك إلى صعوبة في الولادة. صغر فك الإنسان الذي يظهر عند العجز في تًلاؤُمِه مع "أسنان الرئيسيات" (و نتيجة ذلك تلاحظ مع المشاكل التي تظهر مع ضرس العقل). إلا أنه في أعلى اللائحة توجد مسألة تشكل العين البشرية، فمشكلة البيولوجيين التطوريين هو أن شبكية العين توجد في وضع مقلوب. فحسب هذا الزعم، فالمستقبلات الضوئية موجهة في العين بحيث تتواجد على مسافة من الضوء المنبعث و المتمركزة وراء الأعصاب و الأوعية الدموية التي قيل عنها أنها تعيق الضوء المنبعث.

في الواقع يبدو أن هناك أسباب وظيفية جيدة لهذا التصميم. فنظام الرؤية يحتاج لثلاث أشياء: السرعة و الحساسية و التحليل. فالسرعة لا يبدو أنها متأثرة بالاتصال المقلوب و كذلك الأمر بالنسبة للتحليل (باستثناء لطخة شفافة صغيرة جدا و التي يبدوا أن الدماغ يعمل معها بدون أي صعوبة). فعلا، لا يوجد أي دليل على أن شبكية رأسيات الأرجل (الأخطبوط و الحبار)، "المتصلة بشكل صحيح" بامتلاكها لمستقبلات موجهة إلى الأمام و لأعصاب مثنية إلى الوراء، تعتبر أفضل عند تحديد العناصر في الحقل البصري. أما من حيث الحساسية فيبدو أن هناك أسباب وظيفية جيدة لشكل الشبكية المقلوب. فخلايا الشبكية هي أكثر الخلايا حاجة للأكسجين داخل الجسد البشري. لكن، في أي لحظة تحتاج هذه الخلايا إلى كمية كبيرة من الأكسجين؟ إن الحاجة إلى الأكسجين تكون مرتفعة عندما يكون الضوء المنبعث ضعيف. فالتزويد بالدم أمام المستقبلات الضوئية يضمن جاهزية خلايا الشبكية بالأكسجين الضروري حتى تصير أكثر حساسية ممكنة أمام انبعاث مفترض ضعيف للضوء. (بعض الفقريات ذوات الشبكيات المقلوبة هي جد حساسة بحيث بالكاد يمكنها التقاط بعض الفوتونات.)

حسنا، ما أود قوله ليس أن العين البشرية لا يمكن أن تكون أكثر إتقان أو أن تكون عين رائعة في آخر لحظة. و لكن ما أود قوله هو أن تركيز الانتباه على شبكية مقلوبة لا يجعل من ذلك سببا للتفكير على أن الأعين ذوات هذه البنية هي أقل روعة. فعلا، لا توجد فوق الطاولة أي اقتراحات محددة بخصوص كيفية تحسين العين البشرية بحيث نضمن عدم ضياع السرعة و الحساسية و التحليل. هذا يعتبر تهكما دون أي معنى: فنظام الروية الرائع الذي يفترض أن له تصميما ذو جودة سيئة و لا يعتبر جديرا لأن يكون من صنع مصمم يعتبر مع ذلك كافيا للقول بدونية العين.

ندرس العين عبر العين نفسها و لا زالت المعلومات التي نحصل عليها يفترض أنها تظهر دونية العين. و هذه حالة من الحالات العديدة التي يعض فيها علماء الأحياء التطوريون على اليد التي تمدهم بالأكل.

التصميم هو مسألة التزام. لا يوجد أي مشكل في أن يعجبنا زيادة شيء ما أو تحسين التصاميم الموجودة بمنحها وظائف إضافية. سيكون أمرا رائعا أن تحظى العين البشرية بجميع وظائفها دون هذه النقط قليلة الأهمية و الغير المحسوسة. و سيكون أمرا رائعا كذلك أن تحتفظ أنظمة التنفس و الابتلاع جميع وظائفها و في نفس الوقت يقلص من حدوث صعوبات في التنفس. كما أنه سيكون أمرا جيدا أن تعمل أظهرنا كما نعمل الآن دون توليد أي آلام في بعض الوضعيات. كذلك سيكون الأمر إذا كان الحوض الأنثوي يعمل جيدا كما يعمل الآن مع تقليص الصعوبات ساعة الولادة. و كذلك سيكون الأمر إذا ما كانت أسناننا الأولى تعمل بشكل جيد دون الاستغناء عن أسنان و أضراس العقل. إلا أنه عندما يطرح أي اعتراض بخصوص التصميم و ذلك بالادعاء على أنه أقل روعة فدائما ما نجد سوى الوظائف الإضافية المذكورة و لكن لا نجد تفاصيل أخرى بخصوص كيف يمكن تطبيقها، و عندما نتحدث عن التصميم فالشيطان حينها يختبئ في التفاصيل.

و حتى لو كانت هناك تفاصيل فسوف نصنف التصميم على أساس جودته (على سبيل المثال درجة أفضليته و جودته) و مع ذلك فعلينا أن نتوخى الحذر هنا. إن مسألة إمكانية تحسين التصميم بالزيادة في وظائفه في أي جزء من الكائن الحي فذلك لا يعني أن ذلك التحسين سيكون مفيد داخل النظام البيئي الواسع الذي يتواجد فيه الكائن الحي. فوظيفية مفترس ما يمكن أن تكون قابلة للتحسين إلا أنها قد تجعل من المفترس كائنا أكثر شراسة و ضرر لضحيته و هو ما قد يؤدي إلى تغيير توازن النظام البيئي بشكل كلي و هو ما سيؤدي إلى تضرر النظام البيئي بأكمله. عند انتقادهم للتصميم فالبيولوجيون عادة ما يضعون مصلحتهم على وظائف الكائنات الحية و يرون روعة التصميم فقط عندما تكون تلك الوظائف في أوضاعها القصوى. إلا أن التصاميم العالية للأنظمة البيئية بأكملها يمكن أن تستلزم أن لا تبلغ التصاميم الدونية في الكائنات الحية وظيفتها القصوى.

فنظرتنا للتصميم تكون أيضا جد متأثرة بالمؤهلات الرياضية، دائما ما نسعى لأن نكون أكثر سرعة و أفضلية و طولا و قوة، لكن، هل نسعى فعلا إلا أن نكون كذلك دون أي حد؟ بالتأكيد لا. إنها فعلا تلك الحدود على الوظائف هي التي تجعل من لعبة الحياة أمرا ممتعا (هذا هو سبب وجود ألعاب تركز على العيوب). فلاعب كرة قدم يزن خمسمائة رطل و يمتلك أكثر من سبعة أرجل مع قوة الغوريلا و سرعة الفهد سيتم استبعاده مباشرة من اللعبة لأنه إذا ما استعمل كل قواه الجسدية قد يؤدي إلى إصابة أو قتل اللاعبين الذين سيعترضونه في طريقه.

في هذه الحالة سيشاهد المشجعون اللعبة فقط لتتبع المستجدات أو لرغبتهم لرؤية الدم إلا أن لاعب بتلك المواصفات سيدمر الطبيعة التنافسية للعبة. بالفعل فهذا اللاعب الضخم سيقضي على رغبة الآخرين بالمشاركة في مسابقة كهذه و هناك فعلا سوف لن تصير مجرد لعبة. كما أن مفترس بنفس المواصفات سيقضي على جميع الفرائس و هو ما سيؤدي إلى انقراضها فيما بعد. و إذا ما كان هذا المخلوق الضخم يأكل كل شيء و يتكاثر بشكل كبير (كالأرانب و البكتيريا) إلى أن يقضي على جميع أشكال الحياة و هو ما سيؤدي في الأخير إلى انقراضه (بشرط ألا يتحول إلا كائن ذاتي التغذية بحيث يشكل غذاءه بنفسه مثل ما تفعل بعض الكائنات أحادية الخلية).

فالبيولوجيا هي، من بين عدة أشياء، عبارة عن مسرحية. و المسرحيات تتطلب شخصيات أقل من التي تعتبر مثالية. فكتاب المسرحيات البشرية يصممون بكل دقة هذه الشخصيات و يلهمونها عيوبها و نقط ضعفها. هل كان سيكون هاملت شخصية مهمة لو أن شيكسبير لم يمنحه بعض العيوب و نقط الضعف كدرجة تردده؟

فأنا لا أدعي أن ما هو معيب و ضعيف في تصميم الكائنات أو الأنظمة البيئية يمكنه تشكيل أسس استنتاج التصميم. فاستنتاجات التصميم ترسم بتحديد الخصائص الموجودة في النظم و التي يمكن تشخيصها وفقا لمعايير التصميم. في نفس الوقت فالعيوب و نقط الضعف في خصائص تصميم الكائنات الحية و النظم البيئية يمكن أن تكون متطابقة مع التغيرات التطورية الموجهة من طرف قوة ذكية. ففي هذا المشهد التطوري -الذي لا تعتبر فيه جميع أوجه الكائن الحي مصممة بشكل رائع- لا يفترض أن يكون أي تغير تطوري موجه من طرف ذكاء ما معيبا بالضرورة.   

فمنتقدو التصميم الذكي يؤكدون بشكل متكرر أن كل ما نلاحظه في السجل الأحفوري لا يمكن أن يكون من صنع مصمم. و قد سأل أحدهم: ما علاقة الذكاء بخلق كائنات موجهة نحو الانقراض؟ أو، كيف لمصمم ذكي أن يخلق بشرا  بأعمدة فقرية مكيفة بشكل ضعيف مع التنقل على رجلين؟ إذا ما تصورنا التطور باعتباره مسارا تقدميا (هذا جواب فلسلفي خاص بالكاتب) بمعنى أن إمكانيات الكائنات الحية قد تم صقلها و إتمامها بفضل آلية الانتخاب الطبيعي مع مرور الوقت إذن يبدوا على أنه أمر غير مقبول أن يكون مصمما ذو علم و ذو حلم قد قام بتوجيه تلك العملية. أما إذا ما تصورنا التطور باعتباره مسارا تراجعيا، كجواب على بنية أخلاقية معوجة نتيجة لتمرد إنساني ضد المصمم عند نقطة البداية الزمنية إذن فسيكون ممكنا أن يكون مصمما دون عيوب قد اعتمد على عملية تطورية ناقصة خاضعة لنظرته للواقع.

لقد ابتعدنا كثيرا عن التفسيرات العلمية لسبب معلوم. فعند البرهنة على أن الطبيعة لا يمكن أن تكون نتاج تصميم ذكي لأن هناك عدة نظم بيولوجية أقل روعة فمعارضو التصميم الذكي قد غيروا موضوع النقاش من ما هو علمي إلى ما هو لاهوتي.  فعوض السؤال عن كيف يمكن لبنية ما أن تصل لدرجة الكمال،  فهم يتساءلون عن ما إذا كان جدير بإله أن خلق بنية كهذه. و كولد (Gould) يعتبر خبيرا في تغيير موضوع النقاش و كمثال على ذلك فهو قد كتب في The Pand´s Thumb ما يلي:  

"إذا كان الله قد خلق آلة رائعة بهدف إظهار علمه و قدرته، فبالتأكيد أنه سوف لن يعتمد على مجموعة من الأجزاء المستعملة بشكل عام لغايات أخرى...فالإعدادات الغير المتطابقة و الحلول الطريفة تعتبر أدلة على التطور- هذه طرق لا يمكن لإله حساس أن يتبعها و التي بإمكان العمليات الطبيعية المقلصة عبر التاريخ أن تتجاوزها بكل جرأة."  

فما كان ينتقده غولد (Gould) هنا هو "إبهام" حيوان الباندا. و هو انبثاق عظمي يساعد الباندا على تكسير الخيزران و خصوصا قشرته الصلبة و هذا ما يجعل الخيزران سهلا للأكل. (فإبهام الباندا عبارة عن عظم سمسماني طويل و هو فعال جدا بحيث يسهل عملية الأكل للباندا).

فالأمر الأول الذي يجب الجواب عليه بخصوص إبهام الباندا و بخصوص أي بنية بيولوجية أخرى هو ما إذا أظهرت هذه البنيات أي إشارات واضحة على ذكاء ما. فمنظر التصميم الذكي لا يفترض أن أي بنية بيولوجية هي مصممة. فآليات طبيعية كالطفرات و الانتخاب الطبيعي تعمل في التاريخ الطبيعي على تكييف الكائنات الحية مع بيئاتها. ربما يكون إبهام الباندا نتاجا لعملية تكيفية، إلا أن الآليات التطورية غير قادرة على توليد بنيات محددة بشكل رائع و غنية بالمعلومات المتوفرة في البيولوجيا. فالكائنات الحية تظهر نماذج خاصة بالأنظمة التكنولوجية المصممة بشكل ذكي –تخزين المعلومات و تحويلها، شفرات وظيفية، أنظمة الترتيب و التوزيع و التنظيم الذاتي و دورات التغذية الاسترجاعية، و دوائر تحاس تنبيغ الإشارة- و في جميع الأجزاء فالتراكيب المعقدة للأجزاء المتداخلة فيما بينها بشكل متبادل و مجمعة بشكل جيد تعمل كما لو أنها فرقة موسيقية تؤدي حفلا موسيقيا بهدف القيام بوظيفة معينة. فمعارضو التصميم الذكي يتشبثون بمغالطات معتمدين على أسلوب القدح الشخصي باللجوء إلى تصريحات لاهوتية تبسيطية عوض التصريحات العلمية إلا أنهم عميان عن الدليل الساطع للتصميم الذكي و هي النقطة التي يجب عليهم على الأقل دحضها بشكل منطقي.  


التعريف بالكاتب:
ويليام دومبسكي (William Dembeski) حاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة في جامعة إيليون في شيكاغو و على شهادة الدكتوراه في الرياضيات بجامعة شيكاغو. يعتبر واحدا من أهم منظري التصميم الذكي و له عدة مؤلفات في هذا المجال. هو صاحب أول كتاب للتصميم الذكي تم نشره من طرف دار نشر جامعية معترف بها:
 The Design Inference: Elimitating Chance Through Small Probabilities. (Cambridge University Press.1998)
 و هو باحث في معهد ديسكافري.


تمت الترجمة من:

Dembski, W. (2004) The Design Revolution: Answering The Toughest Questions About Intelligent Design, IVP Books, p. 57-63.