الأربعاء، 28 مايو 2014

هل التصميم الذكي قابل للدحض؟ - مايكل بيهي.

مايكل بيهي (Michael Behe)

بعض منتقدي كتاب "الصندوق الأسود لدارون" (لكاتبه مايكل بيهي 1996) قاموا بطرح عدة اعتراضات فلسفية ضد التصميم الذكي. سوف أناقش هنا بعض هذه الإعتراضات خلال الأسطر القليلة القادمة بدءا بمسألة قابلية الدحض. فعندما نقول أنه قابل للدحض أم لا فأولا يجب علينا أن نكون متيقنين بخصوص ما يعنيه "التصميم الذكي". فمن خلال الجملة فقط ربما يأولها أحدهم على أن قوات الطبيعة هي نفسها مصممة لإنتاج الحياة و النظم المعقدة التي بمقدورهم دراستها. بالفعل، فإن موقفا كهذا قد تبناه الفيزيائي باول ديفس (Paul Davies) و العالم الجيني مايكل دينتون (Michael Denton) في كتبهم الأخيرة "المعجزة الخامسة: البحث عن أصل و معنى الحياة" (The fifth Miracle: The search for the Origin and Meaning of Life (Davies 1999)) و "مصير الطبيعة" (Nature`s Destiny: How the Laws of Biology Reveal Porpouse in the Universe (Denton 1998)). و يبدو أن هذا الموقف أيضا يدرج في لائحته الأكاديمية الوطنية للعلوم (National Academy of Science):

"العديد من الأشخاص المتدينين و من ضمنهم عدة علماء يؤكدون فكرة أن الله خلق الكون و العمليات المختلفة التي تؤدي إلى التطور الفيزيائي و البيولوجي و أن هذه العمليات قد أدت فيما بعد إلى تشكل المجرات و النظام الشمسي و الحياة على الأرض. هذا المعتقد الذي يسمى في بعض الأحيان ب "التطور الديني"، لا يتعارض مع التفسيرات العلمية للتطور. فهو يعكس فعلا الطبيعة المتميزة و الموحية للفضاء الفيزيائي المدروس و المبين من طرف العلم". (الأكاديمية الوطنية للعلوم (National Academy of Science))

فتحت هذه النظرة و حتى لو قمنا بملاحظة النظم الجديدة المعقدة التي أنتجت عن طريق الضغط الانتقائي في الحقل أو داخل المختبر، فالتصميم سوف لن يتم دحضه لأنه مدرج ضمن قوانين الطبيعة. من دون زيادة أي تعليق حول قيمة هذا الموقف، فقط اسمحوا لي بأن أقول لكم أن هذا ليس هو المعنى الذي أطلقته على الجملة. فعندما أقول"التصميم الذكي" فأنا أقصد تصميما مرتبطا بما هو فوق القوانين الطبيعية و ذلك باتخاذ هذه القوانين كما قدمت و التساؤل ما إذا كانت هناك أسباب أخرى حتى يتسنى لنا استنتاج ما إذا كانت الحياة و النظم التي تشكلها قد نظمت و رتبت عن قصد. سواء في كتابي أو في هذا الاختبار فإنني كلما أشرت إلى التصميم الذكي فأنى أشير له بالمعنى القاطع للتصميم بعيدا عن القوانين. افتراضيا، فجميع المنتقدين الأكاديميين لكتابي قد أخذوا الجملة وفق المعنى الصارم الذي كنت قد منحته لها.  

وفق هذا المعنى الموضوعي فالتصميم الذكي لم يتم قبوله من طرف الأكاديمية الوطنية (National Academy) و ذلك لسبب محدد:      
"التصميم الذكي...ليس بعلم بسبب أنه غير قابل للقياس عبر المناهج العلمية". (National Academy of Science, 1999, p. 25)

خلال المراجعة التي قام بها جيري كوين (Jerry Coyn)، و هو أستاذ للبيولوجيا التطورية في جامعة شيكاغو، لكتاب الصندوق الأسود لدارون لمجلة الطبيعة "Nature" يفسر لماذا هو أيضا يعتبر أن التصميم الذكي لا يقبل الدحض:

"إذا وافق أحدهم على فكرة بيهي بأن التطور و الخلق يمكنهما العمل سويا و أن غايات المصمم غير قابلة للإدراك، عندها من الممكن أن نجد أنفسنا أمام نظرية محكمة السد. يمكنني تصور دليل يجعل من التطور أمرا قابلا للدحض (كمستحاثة القردة العليا خلال حقبة ما قبل الكامبري)، إلا أنني لا يمكنني تصور أي دليل يمكنه أن يجعل من نظرية بيهي المعقدة نظرية قابلة للدحض. حتى و لو استطعنا بعد جهد كبير تفسير تطور مسار بيوكيميائي معقد، فبيهي سيدعي بكل بساطة على أن دليل التصميم يكمن في المسارات الأخرى الغير القابلة للتفسير. بما أننا لن نستطيع أبدا تفسير أي شيء، فدائما سيكون هناك دليل على التصميم. إن نظرية الخلق الرجعية هذه قد تبدو ذكية إلا أنها ليست بعلم"

مع ذلك، فإن استنتاج كوين (Coyne) على أن التصميم لا يقبل الدحض يبدو أنه يتعارض مع براهين أخرى لمنتقدين آخرين لكتابي. بكل وضوح، فروسل دوليتل (Russell Doolittle) (1997) و كينيذ ميلر (Kenneth Miller) (1990) و آخرون قاموا بطرح أدلة علمية متقدمة محاولين بذلك دحض التصميم الذكي. (اقرأ مقالاتي بخصوص التخثر الدموي و الاختبار الحمضي على هذا الموقع الإلكتروني). إذا كانت النتائج مع الفئران (Bugge, et al) قد كانت كما كان يتمناها دوليتل في البداية أو إذا ما كان عمل بيري هول (Barry Hall) (1999) قد أظهر فعلا ما أشار إليه ميلر، إذن فإنهم سيعتقدون فعلا على أن أن إدعاءاتي بخصوص التعقيد الغير القابل للاختزال قد تلقت ضربة قوية. و بما أن طرحي بخصوص التصميم الذكي يستلزم أن أي عملية غير ذكية هي غير كافية لإنتاج نظم معقدة تعقيدا لا يقبل الاختزال فبالتالي فإن معقولية التصميم الذكي ستعاني بشكل كبير. علماء آخرون و حتى أولئك الذين ينتمون للجنة التوجيهية للعلم و الخلق في الأكاديمية الوطنية للعلوم  (National Academy of Science´s Steering Committe on Science and Creationism,) في تعليقات لهم حول كتابي قد أشاروا إلى دليل فيزيائي (كالبنية المتشابهة لخضاب الدم و المايوجلوبين) الذي على أساسه ظنوا أنه يبرهن على أن النظم البيوكيميائية المعقدة تعقيدا لا يقبل الاختزال يمكن انتاجها عن طريق الانتقاء الطبيعي: 
   
"مع ذلك، فالبنيات و العمليات التي تمتاز على أنها معقدة "بشكل لا يقبل الاختزال" هي في الأصل ليست كذلك عندما نفحصها بشكل مدقق". (الأكاديمية الوطنية للعلوم، 1999، ص.22)

حسنا، فلا يمكن لأحد أن يتواجد في كلا الجانبين في آن واحد، فمن غير الممكن إدعاء أن التصميم الذكي غير قابل للدحض و في نفس الوقت القول بوجود براهين تفنده. يا إما أنه غير قابل للدحض و يطير بهدوء في الهواء الطلق دون أن تشوبه الإنتقادات التجريبية، و إما يمكن انتقاده على أساس ملاحظاتنا نحن و بالتالي فهو قابل للاختبار. فمسألة تقديم المنتقدين لأدلة ضد التصميم الذكي (سواء أ كانت صحيحة أم لا) فذلك يعتبر كافيا لإظهار أن التصميم الذكي يعتبر بالفعل قابل للدحض.

في الواقع، فإن أدلتي حول التصميم الذكي مفتوحة في وجه الانتقادات التجريبية. و لدي هنا فكرة تجربة بهدف إيضاح هذه المسألة. في كتاب الصندوق الأسود لدارون كنت قد أكدت أن السوط البكتيري يعتبر بنية غير قابلة للاختزال و بالتالي فهو يحوي تصميما معدا بشكل ذكي. فالنقطة الأهم هنا هو أن السوط لا يمكن إنتاجه عن طريق آلية الانتخاب الطبيعي التي تعمل على طفرات عشوائية أو على أي عمليات أخرى غير ذكية. فبهدف دحض هذا الطرح فيجب على العلماء التوجه إلى المختبر و وضع عدة أنواع من البكتيريا التي لا تمتلك السوط تحت الضغط الانتقائي (الذي يدفعهم إلى الحركة) و تكرار ذلك خلال عشرة آلاف جيل و ملاحظة ما إذا تم ظهور أي سوط أو أي نظام معقد مشابه. إذا ما حدث هذا الأمر فإن الطرح الذي قدمته سوف ينهار تماما. [لمن لديه شكوك بخصوص مصداقية التجربة فليقرأ المرجع رقم (1)]

و ماذا بخصوص ما أشار إليه كوين (Coyne) بكون أنه ما إذا تم إظهار أن نظاما ما يمكن أن يكون نتاجا للانتخاب الطبيعي فإن أنصار التصميم الذكي سيقولون بوجود أنظمة أخرى قد تم تصميمها؟ فأنا أظن أن قوة هذا الاعتراض هي جد ضعيفة. فإذا ما تم إظهار أن الانتخاب الطبيعي قادر على إنتاج نظم بتلك الدرجة من التعقيد، حينها سيكون الافتراض على أنه كان ممكنا إنتاج نظام ذو تعقيد مشابه أو أقل. إذا ما أظهر كوين أن السوط (الذي يتطلب تقريبا أربعين منتوج جيني) يمكن إنتاجه عبر الانتخاب الطبيعي، فسيكون من الأبله القول بأن نظام التخثر الدموي (الذي يتكون من 20 بروتين) يحتاج لتصميم ذكي.

سأضع نفسي في الجهة الأخرى من الطاولة و أسأل: كيف يمكن دحض مسألة أن السوط البكتيري قد تم إنتاجه عبر عملية تطورية؟ (إن مثال كوين بخصوص مستحاثة القردة العليا في عصر ما قبل الكامبري غير مجدي على الإطلاق لأنني أناقش مسألة الانتخاب الطبيعي و ليس الجد المشترك. فأنا لا أتطلع أكثر لإيجاد مستحاثة للقردة العليا خارج التسلسل). إذا ما توجه عالم ما إلى المختبر و نمت عدة أنواع من البكتيريا بدون سوط تحت الضغط الانتقائي خلال عدة أجيال و لم يقع أي شيء يذكر، فهل سيقتنع الداروينيون حينها على أن الانتخاب الطبيعي غير قادر على إنتاج السوط؟ فأنا أشك في ذلك، دائما يمكن القول بأن الضغط الانتقائي لم يكن الآلية الصحيحة، أو أنه تم الاعتماد على أنواع خاطئة من البكتيريا أو أي شيء آخر. و حتى لو تكررت التجربة عدة مرات و في ظروف مختلفة و أعطت نتائج سلبية فأنا أضن أن العديد منهم سوف لن يعترفوا بأن برهانهم حول التطور الدارويني قد تم دحضه.

كوين (Coyne) نفسه يكتب ما يلي بخصوص النظم البيوكيميائية المعقدة:

"يمكن أن نكون غير قادرين دائما على تحديد المسارات البيوكيميائية البدائية. إلا أنه، ليس من المجدي القول بعدم حدوث تلك المسارات إذا كان الشخص غير قادر على تخيلها".  (كوين 1996)

إذا ما قبل شخص ما عمليات تطورية ليس فقط غير قابلة للملاحظة و لكن أيضا غير قابلة للتحديد، فسيكون من المستحيل فعلا أن نجعله يفكر على أنه مخطئ.

كينيذ ميلر (Kenneth Miller) قام بنشر "اختبار حمضي" لقياس مهارة الانتخاب الطبيعي لإنتاج نظم معقدة بشكل لا يقبل الاختزال. و ادعى حينها أن الاختبار قد تم تجاوزه و أن التصميم الذكي قد تم دحضه (Kenneth Miller 1999, Behe us Wrong. P.147) و ماذا لو-كما يبدو لي أنا- أن نظام اللاكتوز للإشريكية  القولونية (المعروفة اختصارا ب E.Coli) لم يتجاوز "الاختبار الحمضي" فهل سيعتبر حينها ميلر أن الداروينية قد تم دحضها؟ لا أظن ذلك. فهو بكل تأكيد سيقول بأن التجربة قد اعتمدت على أنواع خاطئة من البكتيريا و بأنه تم استعمال ضغط انتقائي خاطئ و هلم جرى. على هذا المنوال يتضح لنا أن هذا "الاختبار الحمضي" ليس اختبارا للداروينية و إنما هو اختبار للتصميم الذكي فقط. و نفس طريقة الاختبار كانت قد استعملت من طرف راسل دوليتل (Russel Doolittle) الذي أشار إلى أن نتائج باك (Bugge) و آخرون (1996) هي براهين ضد التصميم الذكي. لكن لما كانت النتائج معارضة لما كان يعتقد في الأصل أنه سيحصل عليها فإن الدكتور دوليتل لم يترك الإعتقاد بالداروينية.  

ربما على عكس حدس البعض، يبدو أن هذا التصميم الذكي معرض للغاية للدحض، على الأقل في النقط المعروضة للنقاش. فالداروينية، من جانب آخر، يبدو أنها مقفولة أمام أي قابلية للدحض. و هذا يلاحظ بشكل جلي عندما نتفحص الحجج الأساسية لفكرتين بخصوص نظام بيوكيميائي بالأساس كالسوط البكتيري. فادعاء التصميم الذكي هو أن "ليس هناك أي عملية غير ذكية قادرة على إنتاج هذا النظام"، بينما يقوم التطور على أن "عملية غير ذكية (تشمل الانتخاب الطبيعي و الطفرات العشوائية) يمكنها إنتاج هذا النظام". فلدحض الادعاء الأول فيجب البرهنة على الأقل على أن عملية غير ذكية قد استطاعت إنتاج هذا النظام. و من أجل دحض الادعاء الثاني فيجب البرهنة على أن النظام لا يمكن تشكيله عبر أي عملية من بين عدد لا متناهي من العمليات الغير الذكية، و الذي يعتبر بالفعل أمرا يستحيل القيام به.

أظن أن الأستاذ كوين و الأكاديمية الوطنية للعلوم يطرحون الأشياء على عكسها. فمسألة قابلية الدحض تعتبر من بين النقط القوية للتصميم الذكي. (فعلا، فإن بعض المنتقدين المتدينين لا تعجبهم نظرية التصميم الذكي لأنه يزعجهم أن تكون قابلة للدحض, و بالتالي فإن تصورهم الاهوتي يبدو أنه قد عان من ضربة أخرى قوية على يد العلم. انظر على سبيل المثال Filestra 1998). و نقطة ضعف نظرية التطور تكمن في مقاومتها لأن تكون قابلة للدحض. فأي برهان تجريبي يجب الإدلاء به حتى يصير الإدعاء على أن الآلات الجزيئية المعقدة قد تطورت عبر الآليات التطورية قابلا للدحض؟


تمت الترجمة من:
الرد على الاعتراضات الفلسفية للتصميم الذكي:
http://www.discovery.org/a/445


التعريف بالكاتب:
مايكل بيهي (Michael Behe) حاصل على الدكتورة في الكيمياء الحيوية من جامعة بينسيلفانيا سنة 1987. حاليا فهو يعمل كأستاذ بجامعة لاي (Leigh) و هو باحث في معهد ديسكافري (Discovery). هو واحد من أهم المنظرين للتصميم الذكي و كتب عدة كتب حول هذا الموضوع. فكتابه: "الصندوق الأسود لداروين: البيولوجيا الكيميائية تتحدى التطور" قد إختير من طرف مجلة National Review و World من بين 100 كتاب الأكثر أهمية خلال القرن 20.


المراجع: 

1-  كينيذ ميلر(Kenneth Miller) كان قد ترك قراء الكشف عن إله التطور (Finding Darwin´s God) مع فكرة أن عملية كهذه يمكن أن تحدث بشكل سهل جدا. فقد كتب: "إذا كان التطور المصغر يمكنه إعادة تصميم الجين في أقل من مائتي جيل (و ذلك لا يحتاج سوى ل 13 يوما)، فما هي المبادئ في الكيمياء الحيوية أو البيولوجيا الجزيئية القادرة على تجنب إعادة تصميم عشرات أو مئات الجينات خلال أسابيع أو أشهر قليلة لإنتاج أنواع جديدة؟ فلا وجود لتلك المبادئ بكل تأكيد...". (ميلر 1999/ ص. 108). حسنا، إذن لماذا لم يأخذ هو الأنواع البكتيرية المناسبة، و يجردها من الجينات المسؤولة عن تركيب سياطها و يضعها تحت الضغط الانتقائي (الذي يدفعها للحركة) ليحصل في الأخير و بشكل تجريبي على السوط أو على أي نظام ذو تعقيد مماثل؟ (فالسوط يمتلك بين 30 و 40 جين و ليس مئات الجينات التي قال عنها ميلر أن إعادة تصميمها يعتبر أمرا سهلا للانتخاب الطبيعي). إذا ما قام هو بذلك، فإن ادعاءاتي سيتم دحضها بشكل كامل. إلا أنه سوف لن يحاول القيام بذلك لأنه يضخم بشكل كبير احتمالية النجاح.      

هناك 4 تعليقات: