الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

ليس بالمعقد و لا بالبسيط .... لكنه فقط مضبوط

حتى اللحظة قمنا بمناقشة، و بشكل عام، العوائق الاحتمالية المتداخلة في عملية تطور النظم الكيميائية الحيوية المعقدة بشكل لا يقبل الاختزال. هل من الممكن وضع أرقام مضبوطة لهذه الاحتمالات؟ بالرغم من أن منتقدي التصميم الذكي يؤكدون استحالة ذلك إلا أن شكهم لا أساس له. و بالتأكيد فإن تحديد احتمالات خاصة بتطور بنيات بيولوجية يعتبر أكثر صعوبة من تحديد التسلسلات الخاصة بقذف قطعة نقدية عن طريق الحظ و التي من السهل حسابها مقارنة مع تلك التي ترتبط بالعالم البيولوجي الحقيقي. و لكن العلم يعمل على فك المشاكل الصعبة، و تحديد الاحتماليات الضرورية لتطوير البنيات البيولوجية يعتبر تحديا جيدا مع الأخذ بعين الاعتبار وصف عمله.

و عند تحديد الاحتمالات التي تظهر في تباين النشأة، فإنه من الضروري اختيار نظم قابلة للتحكم فيها (يعني نظم غير معقدة جدا و التي يمكن التحكم فيها عبر مناهجنا العلمية). و بالفعل فإن الداروينيون قد اختبؤوا وراء تعقيدات النظم البيولوجية بهدف حماية نظريتهم من التفحص. قم باختيار أي نظام معقد جدا فلن تجد حتى من يستطيع البدء بتحديد الاحتمالات المرتبطة بتطوره. وقس على ذلك الخرافة التي يتداولها علماء البيولوجيا و التي مفادها أن نظرية دارون استطاعت إعطاء تفسير لتطور عين الفقريات. بل على العكس من ذلك تماما، فهي لم تدلي بأي شيء محدد.

في مكان ذلك، فقد حدد الداروينيون عدة أعين تظهر مستويات متباينة من التعقيد انطلاقا من عين الفقريات في أعلى درجة من التعقيد إلى أسفلها حيث يتواجد فقط مستقبل بسيط و حساس للضوء. إلا أن القيام فقط بتحديد أعين ذوات تعقيدات مختلفة ثم القيام بوضع أسهم للإشارة إلى مراحل تطورها انطلاقا من العين الأقل تعقيد إلى الأكثر تعقيد فذلك لا يعطي أي تفسير لكيفية تطور هذه الأعين بعضها من بعض (1). فالفجوات بين الأعين ذوات التعقيدات المتباينة قد صارت عبارة عن تصدعات لا يمكن تجاوزها و خصوصا عندما نبدأ بالتساؤل حول التغيرات الحقيقية في الجينات و النمو الجنيني و أيضا حول التوصيلات العصبية التي تمت في عين الفقريات و التي "تطورت" من أسلاف بسيطة. فعوض الاعتراف على أن هذه الفجوات تشكل دليلا واضحا ضد النظرية، فالتطوريون لا يزالون على موقفهم الرافض للانهزام: "أظهروا أننا على خطأ"، يقولون, "أظهروا لنا أن العين لم تتطور بهذا الشكل". و  هكذا، بتجنب ثقل الدليل، فنظرية داروين تنتصر معظم الوقت على باقي النظريات البديلة.

فالضربة القوية التي سددها مايكل بيهي هي تحديد نوع من النظم البيولوجية البسيطة و التي يمكن تحديد حواجزها الاحتمالية بشكل يسير و التي يجب عليها (أي النظم) تجاوزها حتى يمكنها أن تتطور. أما مع العين البشرية، فإننا نجد أنفسنا أمام الملايين من الخلايا خصوصا عندما نعمل أيضا الآلية العصبية (مثال القشرة البصرية) التي تحتاج إلى إتمامها. لكن مع النظم الكيميائية الحيوية المعقدة بشكل لا يقبل الاختزال فإننا نبحث عن البنيات الجزيئية التي تتواجد داخل الخلية و التي تستقر في عتبة الحياة- و تحت هذه العتبة تتواجد اللبنات الكيميائية التي تشكل البيولوجيا. فالسوط البكتيري، على سبيل المثال، هو عبارة عن آلة جزيئية و التي تتشكل من بروتينات. و البروتينات تتشكل هي الأخرى من الأحماض الأمينية  التي يمكنها أن تظهر حتى مع انعدام الحياة. فالبروتينات، التي هي عبارة عن سلسلات وظيفية من الأحماض الأمينية، فهي لم تتواجد سوى داخل سياقات خلوية، أي مع وجود الحياة.

لكن و حتى مع النظم المعقدة بشكل لا يقبل الاختزال (الأكثر بساطة بالمقارنة مع كل خلية من خلايا الشبكية، حتى لا نتحدث عن العين نفسها)، فالتعقيدات بسرعة تصير صعبة التحديد. فالسوط البكتيري لا يتشكل سوى من أربعين بروتين مختلف، إلا أن هذه البروتينات تتكرر في بعض الحالات مئات أو آلاف المرات. فخيط السوط، مثلا، يتشكل من آلاف الوحدات الثانوية البروتينية (أي، نسخ لبروتين محدد). فالسوط البكتيري نفسه هو عبارة عن مجموعة معقدة من عدة آلاف من الأجزاء البروتينية.

و بالتالي فإن تقدير احتماليات تطور السوط البكتيري يصير أمرا صعبا خصوصا و أن التطوريون لا يحددون أبدا بشكل مفصل السبل التطورية لتلك النظم الكيميائية الحيوية المعقدة بشكل لا يقبل الاختزال. فمع توفر السبل المفصلة بشكل كاف فإن الإحتماليات الخاصة بكل مرحلة من مراحل التطور يمكن، مبدئيا، تقديرها. إلا أنه مع غياب تلك التفسيرات فإننا نتوقف فقط عند الاعتبارات الاحتمالية الأكثر شمولية عند تحديد لا احتمالية تطور السوط. مثلا، فالسوط خلال تطوره يجب عليه أن يتجاوز مشكلة التوافق في الواجهة بحيث أن البروتينات الجديدة على البنية يجب أن تتطابق بشكل مناسب حتى يمكنها أن تتحد بشكل ناجح و يحصل التطور.

فعند تقدير الاحتمالات الخاصة بتطور النظم الكيميائية الحيوية عبر عملية داروينية، فنحن بالتالي  نحتاج إلى تحليل بنيات أكثر بساطة من السوط. فالهدف من الدراسة الآن هو احتمالية تطور البروتينات بسكل منفرد. ففيما يتعلق بتباين الأصل، فهذا يعني الخوض في مسألة احتمالية الجاهزية (أي، احتمالية أن تكون البروتينات جاهزة حتى يمكنها الانضمام في نظام معقد بشكل لا يقبل الاختزال خلال مراحل تطوره) و إظهار أن تلك الاحتمالية ضعيفة. و مع ذلك سوف يتوجب القيام بهذا البحث بالاعتماد على بروتينات السوط البكتيري أو على البروتينات الأخرى الخاصة بآلات بروتينية معقدة بشكل لا يقبل الاختزال (2). و كنتيجة، فإن إعداد حسابات صعبة لاحتمالية تطور السوط البكتيري و نظم أخرى معقدة بشكل لا يقبل الاختزال يبقى مشكلا مفتوحا.

إلا أن الحسابات المعقدة الخاصة باحتمالية تطور بعض البروتينات المنفردة هي متوفرة. فهذه الأخيرة تتواجد بالضبط في المستوى الصحيح من التعقيد و من البساطة من أجل تحديد لااحتمالية تطورها عبر عملية داروينية، على الأقل في بعض الحالات. إلا أن القيام بهذا التحديد بشكل صحيح يتطلب الحذر. افترض أن هناك بروتينات يمكنها أن تتطور إلى بروتينات أخرى (فتطورها يبقى رهينا بالتغيرات الجينية التي تقع في الجينات التي تشفر تلك البروتينات). و الذي يحدد قدرتها على التطور ليس فقط توزيعها بشكل متناثر داخل سلسلات الأحماض الأمينية الممكنة، و لكن أيضا، و الأكثر أهمية، هو درجة عزل بروتينات ذات وظيفة معينة من بروتينات أخرى لها وظائف مختلفة.

و لإظهار القدرة التطورية للبروتينات، فتخيل كما لو أنها جمل باللغة الانجليزية. فكليهما يستعمل أبجدية ثابتة: فالبروتينات تتكون من 20 نوع من الأحماض الأمينية العسراء، بينما تتكون اللغة الانجليزية من 26 حرفا. و لتطوير بروتين معين إلى آخر عبر العملية الداروينية، فإن العديد من التغيرات البسيطة للأحماض الأمينية يجب أن تحول بشكل تدريجي بروتين معين إلى آخر بحيث أن كل شكل وسيط خلال هذه العملية يجب أن يمتلك ليس فقط نفس السلسلة من الأحماض الأمينية كوسيطه السابق و اللاحق و لكن أيضا أن يطوى بشكل مناسب و أن يمتلك وظيفة بيولوجية. و على نفس المنوال، فإن تطوير جملة ما بااللغة الانجليزية عبر عملية داروينية يستلزم تغيرات طفيفة على مستوى الحروف و التي بإمكانها أن تطور تدريجيا جملة معينة إلى أخرى بحيث أن كل وسيط خلال هذه العملية لا يجب عليه أن يمتلك فقط نفس التسلسل من الحروف مثله مثل وسيطه السابق و اللاحق و إنما أيضا تشكيل جملة ذات معنى.         





 مثلا، اعتبر "تطور" الجملة التالية: "THE CAT SAT ON THE MAT" (القط جالس فوق الحصير). فبما أننا نقلد التطور الدارويني، فهذه الجملة يجب أن تتطور تدريجيا. و بشكل يقين، يمكننا القول أن حرفا بسيطا يمكن أن يضاف أو أن يحذف أو أن يعدل في جملة معينة خلال كل مرحلة من مراحل تطورها. فهذا اللزوم يضمن تطور الجمل بشكل تدريجي. إلا أن تدرج العملية التطورية ليس أمرا كافيا. و بما أننا نقلد التطور الدارويني، فإن كل وسيط يجب عليه أيضا الحفاظ على معناه (و هو ما يقابله في البيولوجيا الحفاظ على الوظيفة) (3). إذن فإن تطور THE CAT SAT ON THE MAT لا يمكنها أن تصير جملة دون معنى خلال أي مرحلة من مراحل تطورها. أما ما سوف نتطرق له الآن هو طريق تطوري ممكن انطلاقا من الجملة الأولى (للإشارة فقط، فإن الأحرف المتغيرة أو التي تم إدراجها سيتم وضع خط أسفلها بينما الأحرف التي تم حذفها فيشار إليها بوضع خط تحت فراغ)     
  

THE CAT SAT ON THE MAT                         [القط جالس فوق الحصير]
THE CATS SAT ON THE MAT                    [القطط جالسة فوق الحصير]
THE CATS EAT ON THE MAT                      [القطط تأكل فوق الحصير]
THE CATS BEAT ON THE MAT               [القطط تضرب فوق الحصير]
THE BATS BEAT ON THE MAT           [الخفافيش تضرب فوق الحصير]
THE BATS BEAT ON THE BAT             [الخفافيش تضرب فوق الخفاش]
          THE BATS BEAT ON THE BOAT           [
الخفافيش تضرب فوق القارب]
          THE BATS
   EAT ON THE BOAT                [الخفافيش تأكل فوق القارب]
THE BASS EAT ON THE BOAT                      [الفرخ تأكل فوق القارب]
THE BASS EATS ON THE BOAT                   [الفرخ يأكل فوق القارب]
THE BOSS EAT ON THE BOAT                      [القائد يأكلوا فوق القارب]

أي نتيجة نستخلص من هذا المثال؟ هل يمكن ل THE CAT SAT ON THE MAT أن تتطور؟ فالقدرة على التطور هي مسألة نسبية، فأي جواب بنعم أم لا سوف لن يجيب على هذا السؤال بشكل ملائم. باعتبار التغيرات المسموح بها في كل مرحلة (أي، إضافة أو حذف أو تعديل لحرف ما) فمن الواضح أنه من الممكن تطوير جمل ينتهي بها الأمر إلى إضافة معنى مختلف تماما عن الجمل الأصلية. لكن، هل جميع الجمل بالانجليزية التي تمتلك معنى معين، هي قابلة للتطور عن طريق تغيرات تدريجية في متسلسلة الوسائط الأخرى التي لها معنى معين انطلاقا من المتسلسلة الأصلية؟ أو بالأحرى، كيف يمكن لشخص دارويني أن يعتقد على أن THE CAT SAT ON THE MAT يمكن أن يكون الجد المشترك لجميع الجمل الأخرى بالانجليزية؟ فذلك يبدو غير محتمل بالرغم من عدم وجود أي تحليل يمكن أن يتحقق من هذا الإدعاء. فللقيام بهذا فسوف يلزمنا القيام بتحليل عبر حاسوب قادر على أخذ الجملة الأصلية و تعريضها لجميع السبل التطورية الممكنة و المتوافقة مع التغيرات المسموح بها في كل مرحلة تطورية. إضافة إلى ذلك، سيتطلب توفر طاقم بشري للتأكد من الحفاظ على المعنى خلال كل مرحلة تطورية (4).

قم بتبديل "المعنى" ب "الوظيفة"، و "تطور الجمل بالانجليزية" ب "تطور البروتينات". هل البروتينات قابلة للتطور؟ كما هو معلوم، فالبروتينات تسمح بتبديلات عديدة في الأحماض الأمينية (5). و بالفعل، فالحالات التي يؤدي فيها التغيير في الحمض الأميني إلى خلخلة الوظيفة هي نادرا ما تقع. و يرجع ذلك لأن ما يحدد بالفعل وظيفة بروتين معين هو شكله الكامل (المعروف ببنيته الثلاثية)، و العديد من المتسلسلات المختلفة من الأحماض الأمينية هي متطابقة مع نفس الشكل. و بالتالي فإن شكل و وظيفة بروتين معين لا يمكن اختزالهما في تسلسله المحدد من الأحماض الأمينية (المعروف بالبنية الأولية للبروتين) و لا حتى في بنيته الثانوية.

فشكل و وظيفة بروتين معين يعتبران نتيجة لعدد طيات البروتين، و الذي يقيم هذه الطيات هو نمط التفاعلات التي تحدث بين الأحماض الأمينية و الذي يعتبر مفيدا بشكل كاف لكي تثبت البنية نفسها. بالإضافة إلى ذلك، بالإمكان بلوغ نفس نمط التفاعلات المفيدة عبر عدة سبل مختلفة. لذلك، فالبروتينات يمكنها أن تكون قابلة للتطور بشكل كبير في بنيتها الأولية، لكنها سوف تكون عاجزة عن ذلك تماما في بنيتها الثلاثية. (فذلك سيتشابه مع متسلسلة من الحروف كما هو الحال مع THE CAT SAT ON THE MAT، و التي تتغير بشكل كلي عبر مراحل صغيرة و عديدة مع الحفاظ على معناها في كل مرحلة). فبما أن البنية الثلاثية هي المسؤولة عن تحديد الوظيفة البيولوجية، فهذا التطور يمكن أن يصير دون فعالية، دون إنتاج أي بنيات أو وظائف جديدة و دون أن يقدم للانتقاء الطبيعي أي شيء يمكنه انتقاءه.

هل تطور البروتينات دائما يتم هكذا؟ لا. توجد أدلة على أن هناك عدة مجالات لبروتينات معينة (أي، المناطق المثنية داخل بروتين معين)، إذا ما كانت صغيرة، يمكنها أن تتطور و ذلك بإنتاج طيات جديدة و بإضافة وظائف جديدة إلى البروتين. مثلا، فالبحث الذي قام به سباستيان ميير (Sebastian Meier) و مساعديه بخصوص مجال بروتيني صغير جدا (حوالي 25 ثمالة) قد أظهر أن التغير البسيط في الحمض الأميني يمكنه تحويل البروتين إلى بنية جديدة (7). لكن هذا المثال يبدو أنه استثنائي. في هذه الحالة، فإن تغير الحمض الأميني أدى إلى تعديل رابط ثنائي السلفيد ، و الذي هو أكثر قوة من روابط الهيدروجين، و التي تتطابق مع العديد من البروتينات. إضافة إلى ذلك، فعديد البيبتيد الذي يتشكل من 25 ثمالة من الأحماض الأمينية يعتبر صغيرا جدا بحيث سوف لن يستطيع تثبيت نفسه عبر تفاعل كاره للماء، كما تقوم بذلك العديد من البروتينات (أي، تلك الأحماض الأمينية في البروتين و التي تحرر الماء و تتحد فيما بينها). فالحديث عن الطي كما هو الحال في المجال البروتيني الصغير مثله مثل الحديث عن عقد خيوط قصيرة جدا و لا يمكن عقدها.

فالطي يصير أكثر صعوبة و تعقيدا في البروتينات التي تتشكل من تسلسلات طويلة من الأحماض الأمينية. فهناك العديد من الحركات الأساسية التي يجب أن تحصل في متسلسلة خاصة من أجل طي سلسلة من الأحماض الأمينية بهدف منحه التعديل الصحيح. إذن، فليس من المدهش أن تعتمد بروتينات كبيرة على مساعدة بروتينات أخرى المعروفة بالمرافِقة من أجل أن تطوى. من ناحية أخرى، فالبروتينات الصغيرة تعتبر أكثر سهولة في الطي. عوض استلزام طي طبقة تلو أخرى في تسلسل معين، فالبروتين الصغير ينهار بسرعة بحيث أن ترتيب الأحداث ليس مهما جدا. و بالتالي، إنه لشيء مهم أن ميير و مساعديه قد وجدوا الطريقة الصحيحة لتعديل طي سلسلة من الأحماض الأمينية القصيرة جدا فقط بتغيير ثمالة واحدة، إلا أن ذلك لا يعلل مسألة تعميم هذه النتيجة على البروتينات الكبيرة (8).            
     

تمت الترجمة من:
Dembski, W.; Wells J. (2008) the Design of Life: Discovering Signs of Intelligence in Biological Systems, The Foundation for Thought and Ethics, Dallas, p. 194-198.


التعريف بالكاتبين:
ويليام دومبسكي (William Dembeski) حاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة في جامعة إيليون في شيكاغو و على شهادة الدكتوراه في الرياضيات بجامعة شيكاغو. يعتبر واحدا من أهم منظري التصميم الذكي و له عدة مؤلفات في هذا المجال. هو صاحب أول كتاب للتصميم الذكي تم نشره من طرف دار نشر جامعية معترف بها:
 The Design Inference: Elimitating Chance Through Small Probabilities. (Cambridge University Press.1998)

جوناثان ويلز (Jonathan Wells): حاصل على الدكتوراه في البيولوجية الخلوية و الجزيئية من جامعة كاليفورنيا في بيركلاي. حاليا هو واحد من الباحثين الأساسيين في معهد ديسكافري.


المراجع:

1-            انظر Evolution: The Trumph of an Idea ل Carl Zimmer (New York: HarperCollins, 2001). في غشاء الكتاب توجد عدة أعين ذزات تعقيدات مختلفة. إلا أنه لا غشاء الكتاب و الكتاب نفسه و لا أي عالم دارويني استطاع أن يعطينا تفسير مفصل و قابل للقياس حول كيف استطاعت هذه الأعين أن تتطور عبر عملية داروينية انطلاقا من أسلاف بسيطة.

2-            لاحظ أن الإشارة فقط لبروتينات السوط تعتبر مشابهة  لبروتينات أخرى تؤدي وظائف أخرى فذلك لا يجعل من التطور أمرا أكثر قبولا و لا حتى يحل مشكلة جاهزية هذه البروتينات. و كمثال على هذا التفكير المعيب انظر كتاب "من أصل الأنواع إلى أصل السوط البكتيري" ل M. J. Pallen  و N. J. Matzke, publicado و الذي تم نشره في  Nature Reviews Microbiology 4(10) (2006):ص: 784-790. و الإشكال يكمن في السؤال حول كيفية ظهورهذه البروتينات المتشابهة لأول مرة. و هذه هي النقطة التي تشير إليها مسألة الجاهزية و هذا هو ما لم تتم الإجابة عليه حتى الآن من طرف المراجع الخاصة بالتطور البيولوجي.

3-             و بالفعل، إذا كان التطور جميعه يقوم على أساس الحفاظ على المعنى/الوظيفة، فإننا سننتهي بالحديث عن تطور محايد أكثر مما هو دارويني. و بشكل مضبوط فالتطور الدارويني يتوجب عليه أن يحسن المعنى/الوظيفة بشكل مستمر. و من الشروط الضرورية لتحسين المعنى/الوظيفة هو الحفاظ عليه. و لمعرفة المزيد حول التطور المحايد انظر: Motoo Kimura, The Neutral Theory of Molecular Evolution (Cambridge: Cambridge University Pres, 1983).

4-            لأن الحواسيب هي جد محدودة لغويا. و بالفعل فإن تركيبة الكلام الطبيعي لا تظهر أي مهارة لتحديد ما هي الجمل التي لها معنى و التي تخلو منه.

5-            كما أشار إلى ذلك دوغلاس آكس، "دراسات التطفير و انحياز التسلسلات المتطابقة قد أظهروا أن وظيفة البروتينات هي متطابقة عادة مع عدة ثمالات من الأحماض الأمينية المتواجد في الأماكن الغير النشطة و في الأطراف" . Douglas D. Axe, “Extreme Fuctional Sensitivity to Conservative Amino Acid Changes on Enzyme Exteriors,” Journal of Molecular Biology 301 (2000): 585.

6-             D. D. Axe, N. W. Foster, and A. R. Fersht, “A Search for single Substitutions That Eliminate Enzymatic Function in a Bacterial Ribonuclease,” Biochemistry 7 (20) (1998): 7157-7166

7-            S. Meier, P. R. Jensen, C. N. David, J. Chapman, T. W. Holstein, S. Grzesiek, y S. Ozbek, “Continuous Molecular Evolution of Protein-Domain Structures by Single Amino Acid Changes,” Current Biology 17(2) (2007): 173-178.

أفكار هذه الفقرة مأخوذة من المراسلات الشخصية  بين  WmAD و Cornelius Hunter 8- (1 أبريل 2007).

الاثنين، 3 نوفمبر 2014

تعريف التعقيد المحدد.

 ويليام دومبسكي     

لقد ظهر مصطلح التعقيد المحدد منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة. و حسب علمي فإن ليسلي أوركل (Leslie Orgel) المعروف بأبحاثه بخصوص أصل الحياة كان أول من استعمله. و قد ظهر هذا التعبير في كتابه "أصل الحياة" (The origins of Life) الذي نشر سنة 1973، و قد كتب فيه ما يلي: "الكائنات الحية تمتاز بتعقيدها المحدد. فالزجاج و الكرانيت لا يمكن تصنيفهما على أنهما من بين الأحياء بسبب خلوهما من التعقيد و كذلك الحال بالنسبة للخلائط الاعتباطية للبوليمرات". و حديثا، فقد أشار بول دايفز (Paul Davies) في كتابه "المعجزة الخامسة" (The fifthe Miracle) الذي تم نشره سنة 1999 إلى التعقيد المحدد باعتباره المفتاح الذي يمكنه حل مشكلة أصل الحياة:

"إن الكائنات الحية غامضة ليس بسبب تعقيدها و لكن بسبب تعقيدها المحدد. و لكي نفهم جيدا كيف ظهرت الحياة من الجماد فنحن بحاجة لأن نعرف ليس فقط كيف استطاعت المعلومات البيولوجية أن تتمركز، و لكن أيضا كيف أن المعلومة المفيدة بيولوجيا استطاعت أن تصير محددة".

إلا أنه لا أوركل و لا دايفز قدموا لنا حسابا تحليليا للتعقيد المحدد. و لقد قدمت ذلك الحساب في استنتاج التصميم (The design Inference) (1998) و قد أتممته في (No free lunch) (2002). و هنا سأحاول بكل بساطة طرح الموضوع بشكل سطحي. فكل من أوركل و دايفز استعملا مصطلح التعقيد المحدد بشكل غامض. ففي بحثي الشخصي قمت بصياغته على شكل معيار إحصائي من أجل تحديد آثار الذكاء. فالتعقيد المحدد، كما سأعرضه هنا، يحوي خمسة مكونات أساسية:

§                        نسخة احتمالية للتعقيد مطابقة للأحداث.
§                        نماذج مستقلة بشكل مشروط.
§                        موارد احتمالية و التي تكون في شكلين: استنساخية و تحديدية.
§                        نسخة تخصيصية للتعقيد مطابقة للنماذج.
§                        حد احتمالي كوني.

فلنلق نظرة سريعة:

التعقيد الاحتمالي: يمكن اعتبار الاحتمال كشكل من أشكال التعقيد. و لفهم ذلك فلنأخذ قفلا ذو توافقية معينة (Combination). فكلما كان عدد التوافقيات الممكنة للقفل أكبر إلا و صارت الآلية أكثر تعقيدا و بالتالي فإن احتمالية فتح القفل عن طريق الحظ ستكون ضعيفة جدا. على سبيل المثال، لدينا قفل ذو توافقية و قرصه المدرج مرقم من الصفر إلى 39 و الذي يجب تدويره في ثلاث اتجاهات متناوبة و هو ما ينتج عنها 64000 توافقية محتملة (أي 40*40*40). هذا الرقم يمنحنا قياسا للتعقيد في القفل ذو التوافقية و هو ما يطابق 1 في 64000 احتمال لكي يمكننا فتح القفل عن طريق الحظ (من دون أن يكون لنا أي علم مسبق بالتوافقية الصحيحة). فأي قفل ذو توافقية أكثر تعقيد و قرصه المدرج مرقم من الصفر إلى 99 و الذي يجب تدويره في خمس اتجاهات متناوبة سينتج عنه10.000.000.000 توافقية محتملة ( أي 100*100*100*100*100) و بالتالي فإن احتمال فتح هذا القفل عن طريق الحظ هو 1 من بين 10.000.000.000 احتمال. و هكذا فإن التعقيد و الاحتمال يتغيران بشكل عكسي: كلما كان التعقيد أكبر إلا وكان الاحتمال أضعف. فالتعقيد باعتباره تعقيدا محددا فهو يقصد اللا احتمالية.

نماذج مستقلة بشكل مشروط. فالنماذج التي عند وجود التعقيد أو اللا احتمالية تستلزم ذكاء تصميمي يجب أن تكون مستقلة عن الحدث الذي يتواجد تصميمه قيد البحث. و إنه من المهم أن لا تكون النماذج مفروضة بشكل اصطناعي على الأحداث بعد الفعل. مثلا، إذا قام نبال بإطلاق سهامه على حائط ثم قمنا بعدها برسم الدوائر البيضاء حول تلك السهام بحيث تبقى مثبتة داخل نقطة الهدف الرئيسية، في هذه الحالة فإننا نفرض نموذجا معينا بعد الفعل، و أي نموذج كهذا لن يكون مستقلا عن مسار السهم. من جانب آخر، إذا ما كانت الأهداف موضوعة من قبل ("معينة") ثم أطلق النبال سهامه بدقة حينذاك فإننا نعلم أنها لم تكن ضربة حظ و إنما تصميم (مع الأخذ في الاعتبار بكل تأكيد أن التصويب في نقطة الهدف المحددة يعتبر أمرا غير محتملا بشكل كافي). أما طريقة تحديد استقلالية النماذج فتكون عبر تصور احتمالي للاستقلال المشروط. فأي نموذج هو مستقل بشكل مشروط عن الحدث إذا ما أضفنا معارفنا عن النموذج إلى فرضية الحظ فاحتمالية الحدث لا تتغير تحت هذه الفرضية. فالمحدد في التعقيد المحدد يقصد به تلك النماذج المستقلة بشكل مشروط. فهذه تعتبر هي التحديدات.





الموارد الاحتمالية (Probabilistic resources): يقصد بالموارد الاحتمالية عدد الفرص التي يمكن أن يقع فيها الحدث أو أن يكون محددا. فأي حدث يبدو أنه غير محتمل يمكن أن يتحول إلى حدث محتمل بشكل مطلق عند تحديد الموارد الاحتمالية الكافية. من جانب آخر، يمكن لنفس الحدث أن يبقى غير محتمل حتى بعد تحديد جميع الموارد الاحتمالية الضرورية. فكر في أن تحاول توزيع رويال فلاش على نفسك (في لعبة البوكر تعني أن تحصل على 5 ورقات من نفس اللون و نفس الشكل كما يلي:1-10-J  - Q K). فحسب كمية الأيادي التي يمكنك توزيعها فإن وقوع ذلك، وهو أمر غير محتمل على الإطلاق، يمكن أن يستمر غير محتمل أو أن يصير محتملا جدا. إذا ما كان بإمكانك أن توزع على نفسك فقط بضع عشرات من الأيادي، فإنك في أغلب الاحتمالات سوف لن تحصل على رويال فلاش. و لكن إذا ما كان بإمكانك توزيع ملايين من الأيدي حينها سيكون من المحتمل أن تحصل عليه.

الموارد الاحتمالية تأتي في شقين: استنساخية (Replicational) و تحديدية (Specificational). فالاستنساخية تشير إلى عدد فرص وقوع حدث معين بينما نقصد بالتحديدية عدد الفرص الممكنة لتحديد الحدث. و لفهم أساس كلا النوعين من الموارد الاحتمالية، تخيل سور كبير يحوي N من الدوائر البيضاء المرسومة ذات نفس القياس و غير موضوعة الواحدة فوق الأخرى، و M عدد النبال في جعبتك. نقول أن احتمالية إطلاق النبال عن طريق الحظ اتجاه الدوائر البيضاء، المأخوذة بشكل منفرد، و بنبل واحد هي p. إذن فإن احتمالية النجاح عبر الحظ في إصابة أي من N الدوائر البيضاء، المأخوذة بشكل جماعي، و بنبل واحد تبقى محصورة في Np (بمعنى، N و p مضاعفان). و احتمال إصابة أي من N الدوائر البيضاء عن طريق الحظ عبر  Mمن نباله على الأقل تبقى محدودة ب MNp (أي M و N و p مضاعفون). في هذه الحالة، فعدد الموارد الاستنساخية يقابل M (عدد النبال الموجودة في جعبتك)، و العدد الإجمالي للموارد الاحتمالية يطابق نتيجة MN. فمن أجل حدث محدد للاحتمال p يمكن إيعازه بشكل معقول إلى الحظ، فالعدد MNp لا يمكن أن يكون صغيرا.


التعقيد التحديدي (Specificational complexity): باعتبارهم نماذج، فالتحديدات تظهر عدة مستويات من التعقيد. فدرجة التعقيد لتحديد ما ستحدد كم من الموارد التحديدية يجب أن تكون معملة عندما يقوم مؤشر مستوى اللااحتمالية الضروري بإبعاد عامل الحظ (انظر ما أشرنا إليه من قبل). كلما كان النموذج معقد أكثر إلا و توجب تحديد موارد تحديدية أكثر. أما التفاصيل فهي تقنية و تتطلب تعميم ما يسميه الرياضيون ب تعقيد كولموجروف. مع ذلك، فإن الحدس الأساسي واضح. فالمستوى الضعيف للتعقيد التحديدي يعتبر أمرا مهما حينما نقوم بكشف التصميم لأنه يضمن أن الحدث الذي نحن بصدد دراسة تصميمه لم يتم وصفه بعد الفعل ثم من بعدها أخذ شكله المتأنق، بل تم وصفه قبل الفعل.

و بهدف فهم على أي أساس يقوم هذا، فلنعتبر المتسلسلتين التاليتين الناتجتين عن رمي قطعة نقدية عن طريق الحظ عشر مرات متتابعة: صصصصصصصصصص و صصكصكككصكص. أي متسلسلة من المتسلسلتين يمكن إيعازها للحظ؟ فكلتاهما تقدما نفس الاحتمالية: تقريبا 1 في  1000. و مع ذلك فإن النموذج الذي يحدد المتسلسلة الأولى يعتبر بسيطا أكثر من الثانية. بالنسبة للأولى فالنموذج يمكن تحديده بكل بساطة عبر البيان التالي: "عشرة صور في النوبة". أما من جانب آخر، فتحديد نموذج المتسلسلة الثانية يتطلب بيانا أطول نسبيا: "صورتين ثم كتابة ثم صورة ثم كتابة ثلاث مرات ثم صورة ثم كتابة ثم صورة". أظن أن التعقيد التحديدي (الذي لا يجب خلطه مع التعقيد المحدد) مثل أدنى أطول وصف.

و لكي يظهر شيء ما تعقيدا محددا فيجب أن يملك تعقيد تحديدي منخفض (كالمتسلسلة صصصصصصصصصص، و التي تتشكل من عشرة صور في النوبة الواحدة) و تعقيد احتمالي مرتفع (بمعنى أن تكون الاحتمالية ضعيفة). إنه التوافق بين التعقيد التحديدي المنخفض (نموذج يسهل وصفه وفق ترتيب قصير نسبيا) و بين التعقيد الاحتمالي المرتفع (شيء غير محتمل بشكل كبير) و هو ما يجعل من التعقيد المحدد محدد فعال للذكاء. لكن أهمية التعقيد التحديدي لا تنتهي هنا.

فبالإضافة إلى المكانة المحورية التي يحظى بها في استنتاج التصميم، فالتعقيد التحديدي كان أيضا مدرجا ضمنيا في الجزء الأكبر من الأدبيات المتعلقة بالتنظيم الذاتي، و هو المجال الذي يدرس كيف أن النظم المعقدة تظهر انطلاقا من بنية و دينامية عناصره. بما أن التعقيد المحدد يوازن بين التعقيد التحديدي المنخفض و التعقيد الاحتمالي المرتفع، فإن التعقيد المحدد يتموضع بينهما، أي بين النظام و الفوضى و التي يشار إليها عامة ب "حد الفوضى". فالمشكل مع الترتيب الخالص (التعقيد التحديدي المنخفض) هو أنه قابل للتنبؤ و أقل أهمية. و نعطي كمثال هنا الزجاج الذي يتبع نفس النموذج البسيط مرات متتالية. أما المشكل مع الفوضى الخالصة (تعقيد احتمالي مرتفع) هو أنها مبعثرة و تخلو من الأهمية (ليس هناك أي نموذج ذو أهمية يمكن أن ينشأ من الفوضى الخالصة. و كمثال، الأنقاض المبعثرة بسبب إعصار أو انهيار ثلجي). بل إنه بالضبط في حدود الفوضى حيث تحصل الأشياء المهمة و هذا هو المكان الذي يتواجد فيه التعقيد المحدد.

  
حد احتمالي كوني: في الكون الملاحظ تعتبر الموارد الاحتمالية محدودة. فالعلماء يقدرون أن داخل الكون الفيزيائي المعروف يوجد حوالي 1080 من الجسيمات الأولية. بالإضافة إلى أن خصائص المادة كالتحول من حالة فيزيائية إلى أخرى لا يمكن أن يحدث في مدى أكثر سرعة ب 1045 مرة في الثانية. و هذا التردد يتطابق مع زمن بلانك الذي يشكل الوحدة الفيزيائية الأقصر للوقت. و أخيرا، فعمر الكون نفسه يناهز تقريبا 1025 ثانية (على افتراض أن عمر الكون بين 10 و 20 مليار سنة). و بالتالي، إذا ما افترضنا أن أي تحديد لحدث داخل الكون الفيزيائي المعروف يتطلب على الأقل جسيم أولي و أن تلك التحديدات لا يمكنها أن تتولد بسرعة أطول من زمن بلانك، إذن فإن التحديدات الكونية تستلزم أن يكون العدد الإجمالي للأحداث المحددة خلال التاريخ الكوني لا تتجاوز 1080*1045*1025=10150. و كنتيجة فإن أي حدث محدد ذو احتمال أقل من 1 في 10150 سيكون غير محتمل حتى ولو تم تعميل جميع الموارد الاحتمالية الممكنة للكون، و كنتيجة فإن أي حدث محدد ذو احتمال أقل من 1 في 10150 يمثل الحد الاحتمالي الكوني. (للمزيد من التفاصيل بخصوص الحد الاحتمالي الكوني، انظر كتابي "The Design Inference"). فالحد الاحتمالي الكوني لا يمكن اختراقه أمام أي من الموارد الاحتمالية الممكنة و التي يمكنها أن تقف ضده. و بكل تأكيد فإن كل الموارد الاحتمالية للكون الفيزيائي المعروف لا يمكنها أن تتآمر فيما بينها حتى تجعل من حدث ما، ذو احتمالية أقل من الحد الاحتمالي الكوني، شيءا محتملا.

فالحد الاحتمالي الكوني 1 في 10150 يعتبر الأكثر تحفظا داخل الأدبيات العلمية. فعالم الرياضيات الفرنسي إيميل بورل (Emile Borel) اقترح أن يكون 1 في 1050 كحد احتمالي كوني و الذي تحته يمكن استبعاد الحظ بشكل نهائي. (ذلك أن أي حدث محدد غير محتمل على هذا المنوال لا يمكن إيعازه إلى الحظ). فعلماء التشفير يحددون أمن الأنظمة التشفيرية باعتبار أي هجوم قد يستعمل جميع الموارد الاحتمالية المتوفرة في الكون بهدف فك رموز الأنظمة التشفيرية عن طريق الحظ. و في تقريره حول دور علم التشفير في تأمين المعلومة فقد حدد مجلس الأبحاث الوطنية (National Research council) الحد الاحتمالي الكوني في 1 في 1094 بهدف ضمان سلامة الأنظمة التشفيرية أمام أي هجوم قائم على الحظ. (انظر كتاب: Cryptography´s Role in Securing the Information Society, Kenneth Dam,  Herbert Lin). فالعالم في المعلوميات سيث لويد (Seth Lloyd) من جانبه حدد 10120 كأقصى عدد للعمليات الثنائية (bit-operations) التي بإمكان الكون أن يقوم بها منذ نشأته. (Physical Review، 10 يونيو 2002)، و هذا العدد يطابق الحد الاحتمالي الكوني ل 1 في 10120. و لقد توصل ستوارت كوفمن (Stuart Kauffman) في كتابه الأخير "Investigations" (2002) إلى أرقام مماثلة.

فلكي نقول أن شيءا ما يملك تعقيدا محددا فيجب أن يتطابق مع نموذج مستقل بشكل مشروط (بمعنى التحديد Specification) ذو تعقيد تحديدي منخفض حيث أن الحدث الذي يتطابق مع هذا النموذج يقدم احتمالا للحدوث أصغر من الحد الاحتمالي الكوني، و بالتالي فهو يظهر تعقيدا احتماليا مرتفعا. فالتعقيد المحدد يستعمل بشكل كبير كمعيار لتحديد التصميم. على سبيل المثال، عندما يقوم الباحثون عن الذكاء خارج الأرض المعروف اختصارا ب "سيتي" (SETI) بالبحث عن ذكاء منبثق من الفضاء الخارجي فإنهم يبحثون حينها عن التعقيد المحدد. (كما هو الحال في فيلم Contact حيث تمكنوا من تحديد نموذج ذكي في إشارة ملتقطة من الفضاء الخارجي حيث يلاحظ تسلسل مطول من الأرقام. فذلك التسلسل يظهر التعقيد المحدد).


التعريف بالكاتب:

ويليام دومبسكي (William Dembeski) حاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة في جامعة إيليون في شيكاغو و على شهادة الدكتوراه في الرياضيات بجامعة شيكاغو. يعتبر واحدا من أهم منظري التصميم الذكي و له عدة مؤلفات في هذا المجال. هو صاحب أول كتاب للتصميم الذكي تم نشره من طرف دار نشر جامعية معترف بها:
 The Design Inference: Elimitating Chance Through Small Probabilities. (Cambridge University Press.1998)
     

تمت الترجمة من:    
                               
Dembski, W. (2004) The Design Revolution: Answering The Toughest Questions About Intelligent Design, IVP Books, p. 81-86.

لتحميل كتب المؤلف:
http://bookzz.org/g/William%20A.%20Dembski