ويليام دومبسكي
لقد ظهر مصطلح التعقيد
المحدد منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة. و حسب علمي فإن ليسلي أوركل (Leslie Orgel) المعروف بأبحاثه بخصوص أصل الحياة كان أول من استعمله. و قد ظهر
هذا التعبير في كتابه "أصل الحياة" (The origins of Life) الذي نشر سنة 1973، و قد كتب فيه ما يلي: "الكائنات
الحية تمتاز بتعقيدها المحدد. فالزجاج و الكرانيت لا يمكن تصنيفهما على أنهما من
بين الأحياء بسبب خلوهما من التعقيد و كذلك الحال بالنسبة للخلائط الاعتباطية
للبوليمرات". و حديثا، فقد أشار بول دايفز (Paul Davies)
في كتابه "المعجزة الخامسة" (The fifthe Miracle) الذي تم نشره سنة 1999 إلى التعقيد المحدد باعتباره المفتاح الذي
يمكنه حل مشكلة أصل الحياة:
"إن الكائنات
الحية غامضة ليس بسبب تعقيدها و لكن بسبب تعقيدها المحدد. و لكي نفهم جيدا كيف ظهرت
الحياة من الجماد فنحن بحاجة لأن نعرف ليس فقط كيف استطاعت المعلومات البيولوجية
أن تتمركز، و لكن أيضا كيف أن المعلومة المفيدة بيولوجيا استطاعت أن تصير محددة".
إلا أنه لا أوركل و
لا دايفز قدموا لنا حسابا تحليليا للتعقيد المحدد. و لقد قدمت ذلك الحساب في استنتاج
التصميم (The design Inference)
(1998) و قد أتممته في (No free lunch)
(2002). و هنا سأحاول بكل بساطة طرح الموضوع بشكل سطحي. فكل من أوركل و دايفز
استعملا مصطلح التعقيد المحدد بشكل غامض. ففي بحثي الشخصي قمت بصياغته على شكل
معيار إحصائي من أجل تحديد آثار الذكاء. فالتعقيد المحدد، كما سأعرضه هنا، يحوي
خمسة مكونات أساسية:
§
نسخة احتمالية
للتعقيد مطابقة للأحداث.
§
نماذج مستقلة بشكل
مشروط.
§
موارد احتمالية و
التي تكون في شكلين: استنساخية و تحديدية.
§
نسخة تخصيصية للتعقيد
مطابقة للنماذج.
§
حد احتمالي كوني.
فلنلق نظرة سريعة:



الموارد الاحتمالية
تأتي في شقين: استنساخية (Replicational)
و تحديدية (Specificational).
فالاستنساخية تشير إلى عدد فرص وقوع حدث معين بينما نقصد بالتحديدية عدد الفرص
الممكنة لتحديد الحدث. و لفهم أساس كلا النوعين من الموارد الاحتمالية، تخيل سور
كبير يحوي N من
الدوائر البيضاء المرسومة ذات نفس القياس و غير موضوعة الواحدة فوق الأخرى، و M عدد
النبال في جعبتك. نقول أن احتمالية إطلاق النبال عن طريق الحظ اتجاه الدوائر
البيضاء، المأخوذة بشكل منفرد، و بنبل واحد هي p. إذن فإن احتمالية النجاح عبر الحظ في إصابة أي من N الدوائر البيضاء، المأخوذة بشكل جماعي، و بنبل واحد تبقى محصورة
في Np (بمعنى، N
و p مضاعفان). و احتمال إصابة أي من N الدوائر البيضاء عن طريق الحظ عبر Mمن نباله على الأقل تبقى
محدودة ب MNp (أي M
و N و p
مضاعفون). في هذه الحالة، فعدد الموارد الاستنساخية يقابل M
(عدد
النبال الموجودة في جعبتك)، و العدد الإجمالي للموارد الاحتمالية يطابق نتيجة MN. فمن أجل حدث محدد للاحتمال p
يمكن
إيعازه بشكل معقول إلى الحظ، فالعدد MNp
لا
يمكن أن يكون صغيرا.
التعقيد التحديدي (Specificational
complexity): باعتبارهم نماذج،
فالتحديدات تظهر عدة مستويات من التعقيد. فدرجة التعقيد لتحديد ما ستحدد كم من الموارد
التحديدية يجب أن تكون معملة عندما يقوم مؤشر مستوى اللااحتمالية الضروري بإبعاد
عامل الحظ (انظر ما أشرنا إليه من قبل). كلما كان النموذج معقد أكثر إلا و توجب
تحديد موارد تحديدية أكثر. أما التفاصيل فهي تقنية و تتطلب تعميم ما يسميه
الرياضيون ب تعقيد كولموجروف. مع ذلك، فإن الحدس الأساسي واضح. فالمستوى
الضعيف للتعقيد التحديدي يعتبر أمرا مهما حينما نقوم بكشف التصميم لأنه يضمن أن
الحدث الذي نحن بصدد دراسة تصميمه لم يتم وصفه بعد الفعل ثم من بعدها أخذ شكله
المتأنق، بل تم وصفه قبل الفعل.

و لكي يظهر شيء ما
تعقيدا محددا فيجب أن يملك تعقيد تحديدي منخفض (كالمتسلسلة صصصصصصصصصص، و التي
تتشكل من عشرة صور في النوبة الواحدة) و تعقيد احتمالي مرتفع (بمعنى أن تكون
الاحتمالية ضعيفة). إنه التوافق بين التعقيد التحديدي المنخفض (نموذج يسهل وصفه
وفق ترتيب قصير نسبيا) و بين التعقيد الاحتمالي المرتفع (شيء غير محتمل بشكل كبير)
و هو ما يجعل من التعقيد المحدد محدد فعال للذكاء. لكن أهمية التعقيد التحديدي لا
تنتهي هنا.
فبالإضافة إلى
المكانة المحورية التي يحظى بها في استنتاج التصميم، فالتعقيد التحديدي كان أيضا
مدرجا ضمنيا في الجزء الأكبر من الأدبيات المتعلقة بالتنظيم الذاتي، و هو المجال
الذي يدرس كيف أن النظم المعقدة تظهر انطلاقا من بنية و دينامية عناصره. بما أن
التعقيد المحدد يوازن بين التعقيد التحديدي المنخفض و التعقيد الاحتمالي المرتفع،
فإن التعقيد المحدد يتموضع بينهما، أي بين النظام و الفوضى و التي يشار إليها عامة
ب "حد الفوضى". فالمشكل مع الترتيب الخالص (التعقيد التحديدي المنخفض)
هو أنه قابل للتنبؤ و أقل أهمية. و نعطي كمثال هنا الزجاج الذي يتبع نفس النموذج
البسيط مرات متتالية. أما المشكل مع الفوضى الخالصة (تعقيد احتمالي مرتفع) هو أنها
مبعثرة و تخلو من الأهمية (ليس هناك أي نموذج ذو أهمية يمكن أن ينشأ من الفوضى
الخالصة. و كمثال، الأنقاض المبعثرة بسبب إعصار أو انهيار ثلجي). بل إنه بالضبط في
حدود الفوضى حيث تحصل الأشياء المهمة و هذا هو المكان الذي يتواجد فيه التعقيد
المحدد.

فالحد الاحتمالي
الكوني 1 في 10150 يعتبر الأكثر تحفظا داخل الأدبيات العلمية. فعالم
الرياضيات الفرنسي إيميل بورل (Emile Borel)
اقترح أن يكون 1 في 1050 كحد احتمالي كوني و الذي تحته يمكن استبعاد
الحظ بشكل نهائي. (ذلك أن أي حدث محدد غير محتمل على هذا المنوال لا يمكن إيعازه
إلى الحظ). فعلماء التشفير يحددون أمن الأنظمة التشفيرية باعتبار أي هجوم قد
يستعمل جميع الموارد الاحتمالية المتوفرة في الكون بهدف فك رموز الأنظمة التشفيرية
عن طريق الحظ. و في تقريره حول دور علم التشفير في تأمين المعلومة فقد حدد مجلس
الأبحاث الوطنية (National Research council)
الحد الاحتمالي الكوني في 1 في 1094 بهدف ضمان سلامة الأنظمة التشفيرية
أمام أي هجوم قائم على الحظ. (انظر كتاب: Cryptography´s Role in
Securing the Information Society, Kenneth Dam, Herbert Lin).
فالعالم في المعلوميات سيث لويد (Seth Lloyd)
من جانبه حدد 10120 كأقصى عدد للعمليات الثنائية (bit-operations) التي بإمكان الكون أن يقوم بها منذ نشأته. (Physical
Review، 10 يونيو 2002)، و هذا
العدد يطابق الحد الاحتمالي الكوني ل 1 في 10120. و لقد توصل ستوارت
كوفمن (Stuart
Kauffman) في كتابه الأخير "Investigations" (2002) إلى أرقام مماثلة.
فلكي نقول أن شيءا ما
يملك تعقيدا محددا فيجب أن يتطابق مع نموذج مستقل بشكل مشروط (بمعنى التحديد Specification) ذو تعقيد تحديدي منخفض حيث أن الحدث الذي يتطابق مع هذا النموذج
يقدم احتمالا للحدوث أصغر من الحد الاحتمالي الكوني، و بالتالي فهو يظهر تعقيدا
احتماليا مرتفعا. فالتعقيد المحدد يستعمل بشكل كبير كمعيار لتحديد التصميم. على
سبيل المثال، عندما يقوم الباحثون عن الذكاء خارج الأرض المعروف اختصارا ب
"سيتي" (SETI)
بالبحث عن ذكاء منبثق من الفضاء الخارجي فإنهم يبحثون حينها عن التعقيد المحدد.
(كما هو الحال في فيلم Contact
حيث تمكنوا من تحديد نموذج ذكي في إشارة ملتقطة من الفضاء الخارجي حيث يلاحظ تسلسل
مطول من الأرقام. فذلك التسلسل يظهر التعقيد المحدد).
التعريف بالكاتب:
ويليام دومبسكي (William
Dembeski)
حاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة في جامعة إيليون في شيكاغو و على شهادة
الدكتوراه في الرياضيات بجامعة شيكاغو. يعتبر واحدا من أهم منظري التصميم الذكي و
له عدة مؤلفات في هذا المجال. هو صاحب أول كتاب للتصميم الذكي تم نشره من طرف دار
نشر جامعية معترف بها:
The Design
Inference: Elimitating Chance Through Small Probabilities. (Cambridge
University Press.1998)
تمت الترجمة من:
Dembski, W. (2004) The Design
Revolution: Answering The Toughest Questions About Intelligent Design, IVP
Books, p. 81-86.
لتحميل
كتب المؤلف:
http://bookzz.org/g/William%20A.%20Dembski
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق