إن
كلمة "ذكي" تحمل معنيين اثنين: يمكن أن تشير لأي نشاط يقوم به أي عنصر
ذكي حتى ولو قام بذلك بشكل بليد، و من جانب آخر يمكنه أن يشير إلى أي عنصر ذكي
يعمل بمهارة و إتقان. فتجاهل هذا التعريف فهو الذي يؤدي إلى الغموض بخصوص التصميم
الذكي و هذا الغموض قد تبعني حتى في بيتي خلال مقابلة إذاعية حيث استجوبني الشكوكي
ميشيل شيرمر (Michael Shermer) و عالم المستحاثات دونالد بروتيرو (Donald
Prothero) عبر
إذاعة National Public Radio. و عند تقدم النقاش أدهشني المعنى الذي أعطوه ل "التصميم
الذكي" و الذي يختلف كثيرا عن المعنى الذي أعطاه مجتمع التصميم الذكي.
فكل
من شيرمر و بروتيرو أساءا فهم كلمة "ذكي" المتعلقة بالتصميم الذكي
بمنحها معنى للتصميم الحكبم و الخارق و بالتالي فهم افترضوا أن التصميم الذكي يعني
التصميم الخارق. من جهة أخرى فمجتمع التصميم الذكي يقول أن التصميم الذكي يشير بكل
بساطة إلى وجود تدخل ذكي (دون الخوض في مهارة و إتقان هذا التدخل) و بالتالي فهو
يميز بين التصميم الذكي و التصميم الخارق.
حسنا،
ما الغاية من وجود صفة "ذكي" دائما أمام كلمة "التصميم"؟
أليست فكرة التدخل الذكي مدرجة ضمنا في مفهوم التصميم جاعلة منهما مفهومين زائدين؟
في هذه الحالة ليست هناك أي زيادة لأنه يجب تمييز التصميم الذكي عن التصميم الظاهر
من جهة و عن التصميم الخارق من جهة أخرى. ففكرة التصميم الذكي تؤكد مسألة أن
التصميم يرجع لذكاء واقعي و حقيقي هذا كما يترك الباب مفتوحا لصفات و خصائص هذا
الذكاء.
بخلاف
ذلك، فالتصميم الظاهر يؤكد أن التصميم ليس واقعيا، فعلى سبيل المثال، فريتشارد
داوكنز يبدأ كتابه The Blid Watchmaker (صانع الساعات الأعمى) بالقول: "البيولوجيا هي دراسة
الأشياء المعقدة و التي تبدوا كما لو أنها صممت من أجل غاية." فكان بحاجة
بعدها لأكثر من 300 صفحة إضافية للبرهنة على أن هذا التصميم هو فقط ظاهري و ليس
حقيقي. فالتصميم الظاهري يعتبر بالتالي إنكارا للتصميم الذكي.
فالعديد
من البيولوجيون يتركون جانبا التصميم الذكي و الأدلة المدعمة له بالتحدث عن التصميم
الظاهري و التصميم الأمثل. فمن أجل البرهنة حول التصميم الظاهري فهم يلجأون إلى
الداروينية الخالصة و بدون مساعدة. و للبرهنة ضد التصميم الذكي فهم يطلقون أدلة ك
"رجل القش" بخصوص المصمم بربط التصميم الذكي بالتصميم الأمثل. و بهدف
ترك التصميم الذكي دائما أقل قبولا بين الناس ما أمكن فهم يعرفون التصميم الذكي
كما لو أنه تصميم مثالي، الأفضل أمام كل المعايير الممكنة لتحديد الأفضلية (بتعبير
آخر، إذا كان الشيء ذو جودة أقل فسوف لن يكون مصدره مصمم ذكي). كما هو الحال مع
التصاميم الحالية التي دائما ما تدرج المسؤولية و الالتزام فتلك التصاميم المثالية
كما يجب لا يمكن أن تكون موجودة فقط في مكان مثالي (يسمى في بعض الأحيان ب
"السماء البلاتونية") بعيدا جدا عن التصاميم الحقيقية الموجودة في
عالمنا. فبخلاف التصميم الذكي، فالتصميم الظاهري و التصميم المثالي يجردان التصميم
من معناه التطبيقي.
عند
استيعاب أن كل تصميم بيولوجي أنه ظاهري أو رائع فذلك يبعد المسألة المحورية التي
يجب الإجابة عنها أي إذا ما كان هناك فعلا تصميما في الأنظمة البيولوجية دون الخوض
في الصفات الإضافية التي تمتلكها (كمستوى الأفضلية). فالسيارات التي تصنع في أمكان
التجميع في ديترويت (Detroit) فهي مصممة بشكل ذكي بمعنى أن هناك ذكاء إنساني وراء تلك العملية.
و مع ذلك، فحتى لو فكرنا أن ديترويت تنتج أفضل السيارات في العالم فسنكون على خطأ
إذا ما قلنا على أنها مصممة بشكل خارق. و حتى القول على أنها مصممة بشكل ظاهري سوف
لن يكون صحيحا. هل هناك أي سبب عقلي على الأقل يفرض على منظرين التصميم الذكي
البرهنة على وجود تصميم خارق في الطبيعة؟ فالذين ينتقدون التصميم الذكي (كستيفن
جاي غولد (Stephen Jay Gould) مثلا) يزعمون بشكل متكرر أن أي مصمم كوني ذو قصد فيجب عليه أن
يصمم الأحياء فقط بشكل رائع. إلا أن هذا إدعاء لاهوتي أكثر مما هو علمي.
بالرغم
من أن نسب التصميم الذكي للصناعات البشرية يعتبر أمرا أقل جدلا إلا أنه سرعان ما
تثار الضجة عندما يتم الحديث عن التصميم الذكي في الأنظمة البيولوجية. ففي ميدان
البيولوجيا فالتصميم الذكي يؤكد على أن ذكاءا مصمما هو من قام بهندسة البنيات
البيولوجية الغنية بالمعلومات و المعقدة في الكائنات الحية، و في نفس الوقت فهو
يرفض الخوض في طبيعة هذا الذكاء المصمم. بينما يقوم التصميم الرائع على شرط وجود
مصمم يعمل بإتقان كبير يقوم بكل شيء دائما بشكل صحيح، فالتصميم الذكي يتماشى مع
تجاربنا العادية في التصميم المشروط بحاجيات الوضعية و هو يتطلب تفاوضا و مسؤولية
و بالتالي فهو دائما ما يأتي أسفل التصميم الأفضل و المثالي.
فأي
مصمم غير واقعي فهو يحاول بلوغ الدقة بمعنى بلوغ التصميم الرائع. إلا أنه لا يوجد
هناك أي شيء يمكن اعتباره كتصميم خارق. فالمصممون الواقعيون يحاولون جاهدا بلوغ
الأفضلية الأدنى و التي تعتبر أمرا مغايرا. و كما يشير إلى ذلك المهندس و عالم
التاريخ من جامعة Duke هنري بيتروسكي (Henry Peroski) في Invention by Design: "كل
تصميم يستلزم أهدافا متنازعة و بالتالي فهو يتطلب إلتزاما و أفضل التصاميم تكون
دائما هي تلك التي تبدأ بأحسن إلتزام". فالأفضلية الأدنى هي فن الالتزام
وسط أهداف متنازعة و على هذا الأساس يبنى التصميم كليا. فإيجاد أخطاء أو عيوب في
الأنظمة البيولوجية فقط بسبب عدم إتمامه للنموذج الأفضل يعتبر بكل بساطة أمرا سهلا
جدا، و هذا هو الأمر الذي يلجأ إليه غولد (Gould)
عادة. فلا يحق لهذا الأخير القول بإذا ما كان المصمم قد طرح التزاما معيبا بخصوص
الأهداف، لأنه (غولد) يجهل أهداف المصمم.
إلا أن فكرة أن التصميم الذكي يعتبر ذو أفضلية ثانوية
كانت قد عرفت قبولا واسعا عند إنهاء النقاش بخصوص التصميم. و الغريب في هذا هو أن
هذا النجاح لم يصدر من تحليل أي بنية بيولوجية معينة و لا من أي إثبات بعد ذلك
بخصوص كيف أن الأفضلية الأدنى لهذه البنية استطاعت أن تتحسن. فذلك سيشكل تحليل
علمي صحيح كما أن أفضل الاقتراحات يمكن تطبيقها بشكل محدد من دون أن تفسد التنفيذ
المرغوب فيه للنظام. يمكن لأحد أن يتصور إتقانا معينا إلا أنه ليس لديه أي فكرة عن
ما إذا كان بالإمكان إنجازه أو أن ذلك التحسين سوف لن يتسبب في أي قصور في جهة
أخرى.
في محاضراتي العامة كنت قد سألت حول التصميم المفترض ذو
الأفضلية الثانوية عند الكائن البشري. و من بين الأمور التي يتهم فيها مصمم الجسد
البشري بسوء التصميم نجد: التقاء الحنجرة و المريء في الحلق و هو ما يمكن أن يؤدي
إلى صعوبة التنفس عند اعتراض شيء في الحلق. التصميم المعيب للظهر و الذي يتسبب على
الأمد البعيد في آلام في الظهر كما يتسبب أيضا في فقدان الحركة في بعض حالات
الحوادث. التصميم السيئ لحوض النساء و الذي يؤدي كنتيجة لذلك إلى صعوبة في
الولادة. صغر فك الإنسان الذي يظهر عند العجز في تًلاؤُمِه مع "أسنان
الرئيسيات" (و نتيجة ذلك تلاحظ مع المشاكل التي تظهر مع ضرس العقل). إلا أنه
في أعلى اللائحة توجد مسألة تشكل العين البشرية، فمشكلة البيولوجيين التطوريين هو
أن شبكية العين توجد في وضع مقلوب. فحسب هذا الزعم، فالمستقبلات الضوئية موجهة في
العين بحيث تتواجد على مسافة من الضوء المنبعث و المتمركزة وراء الأعصاب و الأوعية
الدموية التي قيل عنها أنها تعيق الضوء المنبعث.
في الواقع يبدو أن هناك أسباب وظيفية جيدة لهذا التصميم.
فنظام الرؤية يحتاج لثلاث أشياء: السرعة و الحساسية و التحليل. فالسرعة لا يبدو
أنها متأثرة بالاتصال المقلوب و كذلك الأمر بالنسبة للتحليل (باستثناء لطخة شفافة
صغيرة جدا و التي يبدوا أن الدماغ يعمل معها بدون أي صعوبة). فعلا، لا يوجد أي
دليل على أن شبكية رأسيات الأرجل (الأخطبوط و الحبار)، "المتصلة بشكل
صحيح" بامتلاكها لمستقبلات موجهة إلى الأمام و لأعصاب مثنية إلى الوراء، تعتبر
أفضل عند تحديد العناصر في الحقل البصري. أما من حيث الحساسية فيبدو أن هناك أسباب
وظيفية جيدة لشكل الشبكية المقلوب. فخلايا الشبكية هي أكثر الخلايا حاجة للأكسجين
داخل الجسد البشري. لكن، في أي لحظة تحتاج هذه الخلايا إلى كمية كبيرة من
الأكسجين؟ إن الحاجة إلى الأكسجين تكون مرتفعة عندما يكون الضوء المنبعث ضعيف.
فالتزويد بالدم أمام المستقبلات الضوئية يضمن جاهزية خلايا الشبكية بالأكسجين الضروري
حتى تصير أكثر حساسية ممكنة أمام انبعاث مفترض ضعيف للضوء. (بعض الفقريات ذوات
الشبكيات المقلوبة هي جد حساسة بحيث بالكاد يمكنها التقاط بعض الفوتونات.)
حسنا، ما أود قوله ليس أن العين البشرية لا يمكن أن تكون
أكثر إتقان أو أن تكون عين رائعة في آخر لحظة. و لكن ما أود قوله هو أن تركيز
الانتباه على شبكية مقلوبة لا يجعل من ذلك سببا للتفكير على أن الأعين ذوات هذه
البنية هي أقل روعة. فعلا، لا توجد فوق الطاولة أي اقتراحات محددة بخصوص كيفية
تحسين العين البشرية بحيث نضمن عدم ضياع السرعة و الحساسية و التحليل. هذا يعتبر
تهكما دون أي معنى: فنظام الروية الرائع الذي يفترض أن له تصميما ذو جودة سيئة و
لا يعتبر جديرا لأن يكون من صنع مصمم يعتبر مع ذلك كافيا للقول بدونية العين.
ندرس العين عبر العين نفسها و لا زالت المعلومات التي
نحصل عليها يفترض أنها تظهر دونية العين. و هذه حالة من الحالات العديدة التي يعض
فيها علماء الأحياء التطوريون على اليد التي تمدهم بالأكل.
التصميم هو مسألة التزام. لا يوجد أي مشكل في أن يعجبنا
زيادة شيء ما أو تحسين التصاميم الموجودة بمنحها وظائف إضافية. سيكون أمرا رائعا
أن تحظى العين البشرية بجميع وظائفها دون هذه النقط قليلة الأهمية و الغير
المحسوسة. و سيكون أمرا رائعا كذلك أن تحتفظ أنظمة التنفس و الابتلاع جميع وظائفها
و في نفس الوقت يقلص من حدوث صعوبات في التنفس. كما أنه سيكون أمرا جيدا أن تعمل
أظهرنا كما نعمل الآن دون توليد أي آلام في بعض الوضعيات. كذلك سيكون الأمر إذا
كان الحوض الأنثوي يعمل جيدا كما يعمل الآن مع تقليص الصعوبات ساعة الولادة. و
كذلك سيكون الأمر إذا ما كانت أسناننا الأولى تعمل بشكل جيد دون الاستغناء عن
أسنان و أضراس العقل. إلا أنه عندما يطرح أي اعتراض بخصوص التصميم و ذلك بالادعاء
على أنه أقل روعة فدائما ما نجد سوى الوظائف الإضافية المذكورة و لكن لا نجد
تفاصيل أخرى بخصوص كيف يمكن تطبيقها، و عندما نتحدث عن التصميم فالشيطان حينها
يختبئ في التفاصيل.
و حتى لو كانت هناك تفاصيل فسوف نصنف التصميم على أساس
جودته (على سبيل المثال درجة أفضليته و جودته) و مع ذلك فعلينا أن نتوخى الحذر
هنا. إن مسألة إمكانية تحسين التصميم بالزيادة في وظائفه في أي جزء من الكائن الحي
فذلك لا يعني أن ذلك التحسين سيكون مفيد داخل النظام البيئي الواسع الذي يتواجد
فيه الكائن الحي. فوظيفية مفترس ما يمكن أن تكون قابلة للتحسين إلا أنها قد تجعل
من المفترس كائنا أكثر شراسة و ضرر لضحيته و هو ما قد يؤدي إلى تغيير توازن النظام
البيئي بشكل كلي و هو ما سيؤدي إلى تضرر النظام البيئي بأكمله. عند انتقادهم
للتصميم فالبيولوجيون عادة ما يضعون مصلحتهم على وظائف الكائنات الحية و يرون روعة
التصميم فقط عندما تكون تلك الوظائف في أوضاعها القصوى. إلا أن التصاميم العالية
للأنظمة البيئية بأكملها يمكن أن تستلزم أن لا تبلغ التصاميم الدونية في الكائنات
الحية وظيفتها القصوى.
فنظرتنا للتصميم تكون أيضا جد متأثرة بالمؤهلات
الرياضية، دائما ما نسعى لأن نكون أكثر سرعة و أفضلية و طولا و قوة، لكن، هل نسعى
فعلا إلا أن نكون كذلك دون أي حد؟ بالتأكيد لا. إنها فعلا تلك الحدود على الوظائف
هي التي تجعل من لعبة الحياة أمرا ممتعا (هذا هو سبب وجود ألعاب تركز على العيوب).
فلاعب كرة قدم يزن خمسمائة رطل و يمتلك أكثر من سبعة أرجل مع قوة الغوريلا و سرعة
الفهد سيتم استبعاده مباشرة من اللعبة لأنه إذا ما استعمل كل قواه الجسدية قد يؤدي
إلى إصابة أو قتل اللاعبين الذين سيعترضونه في طريقه.
في هذه الحالة سيشاهد المشجعون اللعبة فقط لتتبع
المستجدات أو لرغبتهم لرؤية الدم إلا أن لاعب بتلك المواصفات سيدمر الطبيعة
التنافسية للعبة. بالفعل فهذا اللاعب الضخم سيقضي على رغبة الآخرين بالمشاركة في
مسابقة كهذه و هناك فعلا سوف لن تصير مجرد لعبة. كما أن مفترس بنفس المواصفات
سيقضي على جميع الفرائس و هو ما سيؤدي إلى انقراضها فيما بعد. و إذا ما كان هذا
المخلوق الضخم يأكل كل شيء و يتكاثر بشكل كبير (كالأرانب و البكتيريا) إلى أن يقضي
على جميع أشكال الحياة و هو ما سيؤدي في الأخير إلى انقراضه (بشرط ألا يتحول إلا
كائن ذاتي التغذية بحيث يشكل غذاءه بنفسه مثل ما تفعل بعض الكائنات أحادية الخلية).
فالبيولوجيا هي، من بين عدة أشياء، عبارة عن مسرحية. و
المسرحيات تتطلب شخصيات أقل من التي تعتبر مثالية. فكتاب المسرحيات البشرية يصممون
بكل دقة هذه الشخصيات و يلهمونها عيوبها و نقط ضعفها. هل كان سيكون هاملت شخصية
مهمة لو أن شيكسبير لم يمنحه بعض العيوب و نقط الضعف كدرجة تردده؟
فأنا لا أدعي أن ما هو معيب و ضعيف في تصميم الكائنات أو
الأنظمة البيئية يمكنه تشكيل أسس استنتاج التصميم. فاستنتاجات التصميم ترسم بتحديد
الخصائص الموجودة في النظم و التي يمكن تشخيصها وفقا لمعايير التصميم. في نفس
الوقت فالعيوب و نقط الضعف في خصائص تصميم الكائنات الحية و النظم البيئية يمكن أن
تكون متطابقة مع التغيرات التطورية الموجهة من طرف قوة ذكية. ففي هذا المشهد
التطوري -الذي لا تعتبر فيه جميع أوجه الكائن الحي مصممة بشكل رائع- لا يفترض أن
يكون أي تغير تطوري موجه من طرف ذكاء ما معيبا بالضرورة.
فمنتقدو التصميم الذكي يؤكدون بشكل متكرر أن كل ما
نلاحظه في السجل الأحفوري لا يمكن أن يكون من صنع مصمم. و قد سأل أحدهم: ما علاقة
الذكاء بخلق كائنات موجهة نحو الانقراض؟ أو، كيف لمصمم ذكي أن يخلق بشرا بأعمدة فقرية مكيفة بشكل ضعيف مع التنقل على رجلين؟ إذا ما تصورنا التطور باعتباره مسارا تقدميا (هذا جواب فلسلفي خاص بالكاتب)
بمعنى أن إمكانيات الكائنات الحية قد تم صقلها و إتمامها بفضل آلية الانتخاب
الطبيعي مع مرور الوقت إذن يبدوا على أنه أمر غير مقبول أن يكون مصمما ذو علم و ذو
حلم قد قام بتوجيه تلك العملية. أما إذا ما تصورنا التطور باعتباره مسارا تراجعيا،
كجواب على بنية أخلاقية معوجة نتيجة لتمرد إنساني ضد المصمم عند نقطة البداية
الزمنية إذن فسيكون ممكنا أن يكون مصمما دون عيوب قد اعتمد على عملية تطورية ناقصة
خاضعة لنظرته للواقع.
لقد ابتعدنا كثيرا عن التفسيرات العلمية لسبب معلوم. فعند
البرهنة على أن الطبيعة لا يمكن أن تكون نتاج تصميم ذكي لأن هناك عدة نظم بيولوجية
أقل روعة فمعارضو التصميم الذكي قد غيروا موضوع النقاش من ما هو علمي إلى ما هو
لاهوتي. فعوض السؤال عن كيف يمكن لبنية ما
أن تصل لدرجة الكمال، فهم يتساءلون عن ما
إذا كان جدير بإله أن خلق بنية كهذه. و كولد (Gould) يعتبر خبيرا في تغيير موضوع النقاش و كمثال على ذلك فهو قد كتب
في The Pand´s Thumb ما
يلي:
"إذا كان الله قد خلق آلة رائعة بهدف إظهار علمه و
قدرته، فبالتأكيد أنه سوف لن يعتمد على مجموعة من الأجزاء المستعملة بشكل عام
لغايات أخرى...فالإعدادات الغير المتطابقة و الحلول الطريفة تعتبر أدلة على التطور-
هذه طرق لا يمكن لإله حساس أن يتبعها و التي بإمكان العمليات الطبيعية المقلصة عبر
التاريخ أن تتجاوزها بكل جرأة."
فما كان ينتقده غولد (Gould) هنا هو "إبهام" حيوان الباندا. و هو انبثاق عظمي يساعد
الباندا على تكسير الخيزران و خصوصا قشرته الصلبة و هذا ما يجعل الخيزران سهلا
للأكل. (فإبهام الباندا عبارة عن عظم سمسماني طويل و هو فعال جدا بحيث يسهل عملية
الأكل للباندا).
فالأمر الأول الذي يجب الجواب عليه بخصوص إبهام الباندا
و بخصوص أي بنية بيولوجية أخرى هو ما إذا أظهرت هذه البنيات أي إشارات واضحة على
ذكاء ما. فمنظر التصميم الذكي لا يفترض أن أي بنية بيولوجية هي مصممة. فآليات
طبيعية كالطفرات و الانتخاب الطبيعي تعمل في التاريخ الطبيعي على تكييف الكائنات
الحية مع بيئاتها. ربما يكون إبهام الباندا نتاجا لعملية تكيفية، إلا أن الآليات
التطورية غير قادرة على توليد بنيات محددة بشكل رائع و غنية بالمعلومات المتوفرة
في البيولوجيا. فالكائنات الحية تظهر نماذج خاصة بالأنظمة التكنولوجية المصممة
بشكل ذكي –تخزين المعلومات و تحويلها، شفرات وظيفية، أنظمة الترتيب و التوزيع و
التنظيم الذاتي و دورات التغذية الاسترجاعية، و دوائر تحاس تنبيغ الإشارة- و في
جميع الأجزاء فالتراكيب المعقدة للأجزاء المتداخلة فيما بينها بشكل متبادل و مجمعة
بشكل جيد تعمل كما لو أنها فرقة موسيقية تؤدي حفلا موسيقيا بهدف القيام بوظيفة
معينة. فمعارضو التصميم الذكي يتشبثون بمغالطات معتمدين على أسلوب القدح الشخصي
باللجوء إلى تصريحات لاهوتية تبسيطية عوض التصريحات العلمية إلا أنهم عميان عن
الدليل الساطع للتصميم الذكي و هي النقطة التي يجب عليهم على الأقل دحضها بشكل
منطقي.
التعريف بالكاتب:
ويليام دومبسكي (William
Dembeski) حاصل على شهادة الدكتوراه
في الفلسفة في جامعة إيليون في شيكاغو و على شهادة الدكتوراه في الرياضيات بجامعة
شيكاغو. يعتبر واحدا من أهم منظري التصميم الذكي و له عدة مؤلفات في هذا المجال.
هو صاحب أول كتاب للتصميم الذكي تم نشره من طرف دار نشر جامعية معترف بها:
The Design Inference: Elimitating
Chance Through Small Probabilities. (Cambridge University Press.1998)
و هو باحث في معهد ديسكافري.
تمت الترجمة من:
Dembski, W. (2004) The Design Revolution: Answering
The Toughest Questions About Intelligent Design, IVP Books, p. 57-63.